يترقّب قطاع الطاقة العالمي إزاحة الستار غداً الإثنين عن فعاليات الدورة العاشرة من القمة العالمية لطاقة المستقبل، في مركز أبوظبي الوطني للمعارض (أدنيك)، والتي يُنتظر أن تكون الكبرى في تاريخ الحدث. واستطاعت القمة العالمية التي تستضيفها شركة مصدر ضمن فعاليات أسبوع أبوظبي للاستدامة، أن تدفع عجلات تطور الأعمال في قطاع الطاقة من أجل الاستدامة، فيما رسّخت نفسها منصةً عالميةً بارزة تعمل على تحويل أهداف الطاقة المتجددة إلى فرص تجارية.
وتقام القمة العالمية لطاقة المستقبل 2017 تحت شعار "الحفاظ على الإجماع بشأن الطاقة النظيفة، وتمكين لاعبين جدد في القطاع"، لتشكل ملتقىً يجمع في العاصمة الإماراتية أبرز موردي التقنيات العالميين والوفود الحكومية والمستثمرين وقادة الفكر. ويتوقع المنظمون أن يشارك في الحدث نحو 880 جهة عارضة من 40 بلداً و38,000 مشارك من 175 بلداً، ما يمثل زيادة ملحوظة عن أرقام المشاركة للعام 2016، الذي شهدت دورته مشاركة 600 جهة عارضة و32,000 مشارك. وتشكّل أرقام المشاركة المتوقعة للعام العاشر من عمر القمة نحو ثلاثة أضعاف مثيلاتها التي سُجّلت في دورتها الأولى العام 2008.
وعشيّة افتتاح القمّة، قال محمد جميل الرمحي، الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر"، العاملة في مجال الطاقة المتجددة، إن مصدر ظلّت على مدى العقد الماضي حافزاً لاعتماد الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأضاف: "ساعدت مصدر من خلال القمة العالمية لطاقة المستقبل على بناء منبر يحظى باحترام دولي واسع للمساهمة في نشر المعرفة والخبرة وتوجيه الاستثمارات اللازمة لجعل اعتماد الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة حقيقة تجارية تبدو اليوم ماثلة بوضوح أمام المنطقة وما حولها".
وبدأت بلدان عدة في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا بالظهور على الساحة الدولية كبلدان بارزة في تنفيذ خطط الطاقة المتجددة. ومن المقرر أن تعرض القمة العالمية لطاقة المستقبل مجموعة غير مسبوقة من الفرص القابلة للتمويل في سوق تشهد نمواً مطرداً.
وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أعلن الأسبوع الماضي عن خطط لاستثمارات بقيمة 163 مليار دولار في مشاريع للطاقة المتجددة بحلول العام 2050 في إطار الخطة الوطنية للطاقة التي تمتد حتى ذلك العام، وتستهدف إنتاج 50 بالمئة من الكهرباء في البلاد من مصادر الطاقة النظيفة.
وتشارك المملكة العربية السعودية، التي تُعدّ من أهم الأسواق الإقليمية، في القمة العالمية لطاقة المستقبل بصفتها الشريك القُطري الرسمي للحدث. وتأتي المشاركة السعودية الأوسع في تاريخها بجناح وطني هو الأكبر في القمة ويستضيف جهات حكومية وتجارية بارزة، وذلك بعدما أرست استراتيجية الرؤية السعودية 2030 المتعلقة بتطوير مصادر الطاقة المتجددة، هدفاً أولياً يتمثل بالوصول إلى قدرة إنتاج تبلغ 9.5 غيغاواط لتوليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2023.
كذلك يشارك في القمة، التي تتواصل فعالياتها حتى الخميس 19 يناير الجاري، وفدٌ رسمي رفيع المستوى من المغرب، التي تعمل حكومتها على تنفيذ أحد أكثر برامج الطاقة المتجددة نجاحاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتستهدف به تزويد البلاد بأكثر من نصف احتياجاتها من الكهرباء بحلول العام 2030. أما الهند فيشارك وفد منها يضمّ مسؤولين كباراً يعتزمون البحث عن شركاء لتنفيذ خطط طموحة ترمي لإضافة 175 غيغاواط من كهرباء مصادر الطاقة المتجددة إلى مزيج الطاقة في البلاد بحلول العام 2022.
وتُشكّل الخطط المتقدمة لتوليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة لدى أسواق أخرى، مثل مصر والأردن، جزءاً من بيئة تجارية تستقطب أكبر موردي التقنيات في العالم إلى المنطقة، وتعزّز ظهور شركات صغيرة ومتوسطة مبتكِرة ينصبّ تركزها التجاري على جوانب محدّدة من الاستدامة.
وسوف تكون هذه الشركات جزءاً من قطاع اقتصادي عالمي يدعم رفد الناتج المحلي الإجمالي بتريليون دولار إضافية محتملة بحلول العام 2030. وإذا ما استطاعت بلدان العالم مضاعفة حصتها من الطاقة المتجددة إلى أكثر من 50 بالمئة بحلول 2030، فإن الناتج المحلي الإجمالي العالمي سيزيد بمقدار 1.3 تريليون دولار، وسيتم خلق 24 مليون فرصة عمل، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا). ودائماً ما تخضع توقعات النمو في قطاع الطاقة المتجددة إلى تعديلات تؤدي إلى رفعها، وذلك جرّاء التسارع الذي يفوق التوقعات في إنجاز المشاريع.
وأشار الرمحي إلى أن مجال طاقة الرياح البحرية العالمي ينمو بنحو 30 بالمئة سنوياً، في حين أن مجال الوحدات الشمسية الكهروضوئية (فوتوفولتيك) يشهد نمواً سنوياً قدره 25 بالمئة، وقال: "يساعد استمرار نجاح القمة العالمية لطاقة المستقبل، وما تشرعه من أبواب أمام صانعي القرار والخبراء والفرص التجارية، على ضمان مواكبة اللاعبين للنمو الإجمالي الحاصل في السوق".
ويقام حدث هذا العام في مرحلة مهمة تشهد اعتدالاً ملحوظاً في تكلفة الطاقة المتجددة على أرض الواقع، جرّاء الابتكارات المتقدمة واقتصادات السعة المتمثلة بانخفاض مستوى التكلفة الكلية بسبب زيادة حجم الإنتاج. وقد تجلّى ذلك في يونيو الماضي عندما وقع اختيار هيئة كهرباء ومياه دبي على تحالف شركات بقيادة شركة مصدر لتطوير المرحلة الثالثة من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية. وقد حدّد هذا الاختيار سعراً لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية يقل عن 3 سنتات أمريكية لكل كيلوواط ساعة، وذلك لأول مرة في العالم.
ويأتي حدث هذا العام في لحظة حاسمة من مرحلة التنمية السريعة لمصادر الطاقة البديلة في دولة الإمارات، ولا سيما الطاقة الشمسية. وكانت العطاءات التنافسية المقدّمة للفوز بمشاريع الطاقة الشمسية في دولة الإمارات، خلال العام 2016، شهِدت طرح سِعرين قياسيين شكّلا أدنى الأسعار المطروحة للكيلوواط ساعة، بلغ أحدثهما 2.42 سنت أمريكي لكل كيلوواط ساعة، وهو السعر الذي طُرح في سبتمبر لمشروع محطة سويحان التابعة لهيئة مياه وكهرباء أبوظبي، والبالغة طاقته الإنتاجية 350 ميجاواط، مع عرض بخفض السعر إلى 2.30 سنت إذا تمّت توسعة الطاقة الإنتاجية للمحطة إلى نحو 1.2 غيغاواط. وجاء هذا السعر ليحطّم سعراً قياسياً طُرح قبله بثلاثة أشهر في دبي، وبلغ 5.84 سنتات لكل كيلوواط ساعة.
وكانت القمة العالمية لطاقة المستقبل لعبت دوراً مهماً في الوصول إلى هذه النقطة، بعدما قدّمت الكثير من الدعم لقطاع الطاقة المتجددة منذ سنواته الأولى. وفي هذا السياق، قال أرا فرنزيان، المدير العام لشركة ريد الشرق الأوسط للمعارض، الجهة المنظمة لفعاليات القمة العالمية لطاقة المستقبل، إن نجاح القمة باعتبارها حدثاً تجارياً، مبنيٌّ على أسس متينة راسخة، وأضاف: "واصلنا مواكبة النمو الحاصل في قطاع الطاقة المتجددة حتى صرنا اليوم جزءاً من قطاع مزدهر؛ فثمّة ابتكارات جديدة في كل عام، كما يجري ضخّ استثمارات مالية كبيرة في المشاريع، فيما يأتي المعنيون إلى هنا لممارسة أعمالهم التجارية، حتى أصبحت القمة العالمية لطاقة المستقبل محوراً للعمل الإيجابي".
ومن المنتظر غداً إطلاق معرض كفاءة استهلاك الطاقة تحت مظلة القمة العالمية لطاقة المستقبل، لعرض حلول كفاءة استهلاك الطاقة، وحلول المباني الذكية السكنية والتجارية والصناعية. وسوف تستضيف هذا المعرض المتخصص شركة مصدر، بالشراكة مع مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني، ومجلس الإمارات للمباني الخضراء، ومجلس صناعات الطاقة النظيفة. من جانب آخر، يسلّط معرض الطاقة الشمسية الذي يقام كذلك تحت مظلة القمة العالمية لطاقة المستقبل الضوء على أحدث الحلول في مجال التطبيقات الكهروضوئية الشمسية ومكوناتها، والطاقة الحرارية الشمسية، وتخزين الطاقة، وسوف يستضيف فعاليات للتواصل بين المعنيين في القرية الشمسية في الحدث، الذي يقيم كذلك منطقة للنقل المستدام تعرض أحدث ما تمّ التوصل إليه في وسائل النقل الصديقة للبيئة.
وتضمّ مظلة أسبوع أبوظبي للاستدامة، فعاليتين أخريين مصاحبتين للقمة العالمية لطاقة المستقبل، جميعها يرمي إلى تعزيز الحلقة الكاملة لقطاع الاستدامة. إذ تنعقد القمة العالمية الخامسة للمياه، بدعم من هيئة مياه وكهرباء أبوظبي، ويقام معرض ومؤتمر "إيكو ويست" الرابع بالشراكة مع تدوير (مركز إدارة النفايات – أبوظبي).
وتشهد القمة العالمية لطاقة المستقبل انعقاد آلاف الاجتماعات واللقاءات بين رجال الأعمال، والتي تمّ التنسيق لها مسبقاً في إطار برنامج "تواصل الأعمال" الذي صُمّم خصيصاً لتلبية احتياجات التواصل بين البائعين والمشترين. وكان البرنامج في دورة العام الماضي استضاف 1,735 من مسؤولي المشتريات التنفيذيين من 1,322 شركة من 75 بلداً، وذلك في رقم هو الأعلى في تاريخ الحدث.