أسدل الستار الخميس على آخر المؤتمرات الصحفية المتعلقة بإعلان برنامج التحول الوطني بعد ليال رمضانية مارثونية شهدت حالات استنفار على مختلف الأصعدة، هذه المؤتمرات حولت المجالس وصفحات الجرائد ومنصات مواقع التواصل إلى ورش عمل كبرى يشارك فيها 17 وزيرا بحضور السعوديين كافة من خلال تحليلاتهم وتعليقاتهم حول ما يتم تداوله وطرحه من قبل الوزراء.
برنامج التحول اعتمد آلية تشاركية في المراحل كافة حيث عمل مجلس الشؤون الاقتصادية والجهات الحكومية الـ 24 المشاركة في المرحلة الأولى من البرنامج بشكل جماعي الأمر الذي سيقلل من تداخل الأدوار والقرارات ما سيضمن تنسيق وانسيابية العمل بالإضافة إلى رفع جودة وواقعية المخرجات فجلوس كل هذه الجهات على طاولة واحدة كفيل بإلغاء كل تضارب بينها وهو ما لمسه المتلقي من خلال المبدارات الـ 543 التي تم إطلاقها والإعلان عنها.
البرنامج الذي أعلن يمثل مرحلة مهمة وحساسة في الطريق إلى تحقيق "رؤية 2030" وهو عبارة عن مسار وخطط عمل تنفيذية يمكن قياسها وذلك لتحقيق أهداف متوسطة المدى إلا أن ما يميزه عن غيره من الخطط اعتماده على خطط تفصيلية لمراحل أخرى تعتمد على مؤشرات مرحلية لقياس الأداء ومتابعته بالإضافة إلى تركيزه على مبدأ الشفافية والمؤسساتية والدعم التخصصي الأمر الذي سيؤدي إلى رفع درجة الاحترافية وانسيابية العمل، كما استخدم البرنامج العديد من الوسائل المبتكرة التي تستوعب التحديات التي تواجه عمل القطاعات الحكومية والعامة في البلاد، والتصدي لها بما يحقق النتائج الإيجابية للوطن والمواطن.
تلك المؤتمرات وما صاحبها من مداخلات من الإعلاميين والمتخصصين وما لحقها من تحليل على صفحات الجرائد بعثت بعدد من رسائل التطمين لمختلف شرائح المجتمع حول مستقبل البلاد فقد تطرقت لمواضيع حساسة تمس حياة المواطنين يوميا كالإسكان والعمل والتعليم والصحة بالإضافة إلى مواضيع قد لا يلمس أهميتها المواطن البسيط كالاستثمار ودعم الجانب التفني وإنشاء عدد من البرامج المتعلقة بالمنشأت الصغيرة والمتوسطة إلا أن الجميع يتفق على أن تواجد هذا العدد من الوزراء أمام شاشات التلفزيون وحديثهم بكل شفافية وصراحة سيجعلهم ووزاتهم أمام تحد كبير لكسب ثقة المواطن أولا ثم لكسر الصورة النمطية السائدة عن المشاريع والمبادرات الحكومية بأنها كما يراها المواطن لا تتعدى حبرا على ورق فالظهور أمام العدسات سيجعل من المواطن الرقيب الأول للأداء والحارس الأمين لأموال الدولة فزيادة قنوات التواصل بينه وبين المسؤول سيشكل إضافة كبيرة له في مجال المسؤولية الوطنية.
كما أكدت هذه المؤتمرات على تحسين ثقافة العمل الحكومي، تحسين رضا عملاء الوزارة، ورفع مستوى الارتباط الوظيفي، ورفع كفاءة الإنفاق على الرواتب والتعويضات والمزايا، رفع كفاءة رأس المال البشري، رفع مستوى الشراكة الإستراتيجية بين الوزارة والجهات الحكومية والقطاع الخاص وهو ما كانت تطالب به الأقلام المتخصصة في مجال الإدارة لرفع من مستوى الموظف الحكومي والذي يشكل النسبة الأكبر من الموظفين، وبالتوازي مع ذلك شدد على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتوفير 40% من الانفاق الحكومي على المبادرات بالإضافة إلى توليد 450 ألف وظيفة جديدة، رسائل التطمين تواصلت حين أكد التحول على أن القطاع الخاص سيسهم في الجزء الأكبر من المبادرات مشددا على أنها لن تشكل أثرا ماليا كبيرا على ميزانية الدولة، وسوف يكون هناك مراقبة على الإنفاق لتحقيق كفاءة الإنفاق والوصول إلى أهداف البرنامج.
كما أكدت هذه المؤتمرات على أن الدولة لا تنوي فرض ضرائب على المواطنين والمقيمين بالإضافة إلى بحثها تعزيز الإيرادات غير البترولية ودعم المنشآت الصغيرة واحتضان الشركات التقنية الناشئة وتحول المملكة إلى مجتمع بلا "أمية رقمية" ورفع مستوى التنافسية في مختلف المجالات مما سيشكل نقلة حقيقة في المجال الاقتصادي ودعما كبيرا لريادي وشباب الأعمال إلى جانب فتح المجال أمام خريجي الجامعات والمعاهد المهنية والتقنية للالتحاق بسوق العمل من خلال الفرص الكبيرة التي سيوفرها هذا الدعم.
تطمينات الدولة بمستقبل أفضل كان واضحا من خلال الإعلان عن السعي لتحقيق 1.3 مليون وظيفة للسعودين وزيادة مشاركة المرأة العاملة كل ذلك محاطا بتأكديات على رفع مستوى الخدمات العدلية وسن قوانين جديدة فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار، كما أكدت الدولة على أنه لا نية لخفض العمالة الوافدة الأمر الذي يؤكد لما لا يدع مجالا للشك أن المملكة وسوقها قادر على احتضان الشركات الأجنبية والموظفين المؤهلين متسحلة ببنية تحتية صلبة وبوزارة نقل قادرة على التعامل مع المستجدات في النقل الجوي والبري والبحري بالإضافة إلى منظومة السكك الحديدة.
الصحة والإسكان والتعليم مثلث أخذ الكثير من النقاش والتحليل في برنامج التحول الوطني حيث أكدت المؤتمرات النية في إصدار ملف صحي للمرضى بالإضافة إلى تحسين الرعاية المقدمة وتحقيق أوقات انتظار مقبولة واعتماد خطة وطنية للاستجابة السريعة، بينما أكد "الإسكان" على إصدار صكوك لصندوق التنمية العقاري بنهاية 2017 والوصول بنسبة التملك إلى 52% وأن يكون قطاع العقار في المملكة قطاعا جاذبا للجميع بتوفير برامج ومسارات تملّك تدخل فيها مجالات التمويل، والادخار، والعرض، بحيث تستطيع مواكبة تحقيق هذا التحول، فيما شدد "التعليم" على مجانيته وعلى تأهيل المعلم وإنشاء هيئة مستقلة للابتعاث وتنويع مصادر تمويل مبتكرة وتحسين الكفاءة المالية للقطاع.كما شددت هذه المؤتمرات على تسخير التنقية لخدمة الوطن ومضاعفة عدد الشركات وتنظيم العلاقة بين المستهلك والتاجر، بالإضافة إلى الإعلان عن خصخصة البريد وتغطية المناطق النائية بالإرسال، كما أرست قاعدة صلبة لرؤوس الأموال الجديدة التي تفكر في الدخول إلى السوق من خلال الإعلان عن أن إنشاء السجلات التجارية تستغرق خمسة أيام وعشرة أيام فقط لاستصدار رخصة البناء.برنامج التحول الوطني ما هو إلا برنامج مرحلي ما يعني أن المزيد من الجهات والقطاعات سيتم إشراكها في ورش العمل التي ستعقد وأن الوطن على موعد مع مزيد من المشروعات والخطط التي تسير بالمواطن في خطى ثابتة نحو تحقيق رؤية 2030.