عقد "الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات" (جيبكا) مؤتمره الثالث للاستدامة في دبي بمشاركة نخبة من خبراء القطاع والمسؤولين الحكوميين والشركات الاستشارية العالمية لمناقشة آخر المستجدات المتعلقة بموضوع الاستدامة. وأشار المتحدثون في المؤتمر إلى أن التوجه العالمي للتخفيف من آثار تغير المناخ يفرض الكثير من التحديات أمام قطاع الأعمال، وينطوي في الوقت ذاته على العديد من الفرص الواعدة.
وفي إطار تعليقه على الموضوع، قال أحمد العوهلي، الرئيس التنفيذي للشركة السعودية العالمية للبتروكيماويات "سبكيـم": "يمكن تعريف التنمية المستدامة بأنها تلبية احتياجات الحاضر دون المسـاس بقدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها المستقبلية، وغالباً ما يشار إليها أيضاً بتحقيق التوازن بين الركائز الثلاث: الإنسان والكوكب والأرباح. لكن السؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه هو كيف يمكننا ترجمة أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والرؤى المماثلة إلى استراتيجيات توفر قيمة مضافة للقطاع؟".
وأشار العوهلي إلى أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست بلورت رؤى وطنية تغطي محاور رئيسية مرتبطة بقضايا تنويع الموارد الاقتصادية، والتعليم، وتمكين الكوادر الوطنية العاملة، والحد من آثار التغيرات المناخية. وقال في هذا السياق: "يتطلب اعتماد معايير الاستدامة تكاملاً في أعمال الشركات على كافة المستويات، بما يضمن في الوقت ذاته تحقيق الأهداف العالمية المنشودة في هذا المجال. على سبيل المثال، في حال كان هدف التنمية المستدامة هو القضاء على الجوع، فسيكون قطاعا الصحة والتغذية هما المعنيان بهذا الهدف. علاوةً على ذلك، ستكون هنالك حاجة إلى تطبيقات تزود خبراء الرعاية الصحية بالحلول المتعلقة بالتغذية، بالإضافة إلى توفير مواد آمنة لاستخدامها في تعبئة وتغليف الأغذية؛ وهنا يمكن الاستعانة بقطاع الكيماويات لتوفير حلول مبتكرة في هذا المجال".
ويرى العوهلي أن الآفاق المستقبلية تبدو إيجابية بشكل عام، وقال بهذا الخصوص: "شهدت منطقة الخليج العربي خلال الفترة بين عامي 2007 - 2016 إقامة 139 مشروعاً في مجال البتروكيماويات بقيمة إجمالية بلغت 215 مليار دولار أمريكي، ويشكل ذلك نمواً هائلاً- مع وجـود فرص مماثلة في المستقبل. ولكن ما من شيء مؤكد بطبيعة الحال؛ لذا ينبغي علينا التعاون معاً لإيجاد الحلول التي تلبي متطلبات التوجهات الكبرى حول العالم مثل النمو السكاني، والتوسع العمراني، والطلب المتزايد على الطاقة، والعولمة الاقتصادية".
مـن جانبه، أشار فهـد الحمادي، مدير إدارة التغير المناخي في وزارة التغير المناخي والبيئة الإماراتية، إلى أن القيادات الإقليمية ترى في تغير المناخ أولوية قصوى. وقال بهذا الصدد: "لا شك بأن التغير المناخي يمثل تحدياً كبيراً، لكن يجدر بنا التعامل مع الوضع القائم بما يتيح استكشاف الفرص الكبيرة المتاحة والاستفادة منها لتحقيق المزيد من النمو الاقتصادي، بالتزامن مع توفير فرص العمل".
وأوضح الحمادي أنه يمكن لقطاع البتروكيماويات في المنطقة أن يركز على سبل تحقيق القيمة من أجندة الاستدامة، وذلك من خلال استخدام التقنيات والحلول التي تعود بالفائدة على أعمال شركات القطاع مع تلبية الأهداف البيئية في الوقت ذاته. وقال الحمادي في هذا السياق: "يشكل قطاع النفط والغاز مثالاً جيداً على ذلك. فعلى سبيل المثال، خفضت أبوظبي معدل حرق الغاز في حقولها النفطية بنسبة 34% منذ عام 1995. ويستخدم قطاع البتروكيماويات في منطقة الخليج العربي تقنية التقاط الكربون لتخزين واستخدام غاز ثنائي أكسيد الكربون، وإنشاء عمليات متكاملة ذاتياً".
وفي إطار مؤتمر الاستدامة، أصدر "الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات" (جيبكا) تقريره السنوي "معايير أداء الرعاية المسؤولة لعام 2015"، والذي يقيس مؤشرات الصحة والسلامة والبيئة لدى جميع شركات البتروكيماويات الخليجية الأعضاء في الاتحاد.
بدوره قال الدكتور عبدالوهاب السعدون، الأمين العام للاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات: "توفر مؤشرات الرعاية المسؤولة بيانات بالغة الأهمية بخصوص استهلاك الطاقة والمياه وسلامة العمال. وقد جمعنا بيانات هـذا العام بالكامل استناداً إلى المقاييس المذكـورة في التقــرير، وهـو إجراء ضروري لتحديد منطلق واضح نستند إليه في تحديد التوقعات المستقبلية لمقاييس الاستدامة، بما يعكس تحول القطاع نحو الاستدامة على نطاق واسع. ومع توقيع اتفاقية باريس خلال ’مؤتمر الـدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ‘ (21COP) العام الماضي، بات قياس الأنشطة مثل انبعاثات الكربون واستهلاك الطاقة أمراً بالغ الأهمية، خصوصاً وأن دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت من الدول الموقعة على هذه الاتفاقية الملزمة للحد من تغير المناخ".
ووفقاً لتقرير "مقاييس الرعاية المسؤولة"، خفضت شركات منطقة دول مجلس التعاون الخليجي استهلاكها الإجمالي من الطاقة من 63,01 مليون طن من النفط المكافئ في عام 2014 إلى 36,66 مليون طن عام 2015. ورغم أن ذلك يعدّ تطوراً إيجابياً بطبيعة الحال، إلا أن المقاييس المتعلقة بانبعاثات الكربون أظهرت زيادة طفيفة خلال الفترة ذاتها؛ وهذا يستدعي مزيداً من العمل للحد من تأثير انبعاث غازات الدفيئة.
واختتم الدكتور السعدون قائلاً: "رغم أن بعض المؤشرات تظهر تحسناً إيجابياً، إلا أن بعضها الآخر ينبه شركات القطاع إلى ضرورة بذل مزيد من الجهود. ومع اقتراب موعد ’مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ‘ (22COP)، من المتوقع أن تتم بلورة الإجراءات التنظيمية والقانونية المتعلقة باتفاقية باريس. وباعتبارها جزءاً من الاقتصاد العالمي، يتعين على دول الخليج تحديد الاستراتيجيات التي تنسجم مع التوجه العالمي نحو الاستدامة وذلك لمصلحة البيئة والأجيال القادمة".