تشهد التجارة الإلكترونية نمواً سريعاً في الشرق الأوسط بوصفها منطقة يتراوح أعمار 28% من تعدادها السكاني ما بين 15 و29 عاماً. وبحسب تقرير مجموعة بوسطن كونسلتنج جروب بعنوان "فتح المجال لفرص التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية"، يتفوق نمو التجارة الإلكترونية بشكل كبير على نمو تجارة التجزئة التقليدية – في توجه من المتوقع تسارعه بشكل أكبر في السنوات القادمة.
وبالنظر إلى التوجهات العالمية، تستحوذ التجارة الإلكترونية بشكل متسارع على الحصة السوقية من اللاعبين التقليديين، وهي تحتل اليوم ما يصل إلى 13.8% من إجمالي مبيعات التجزئة في الصين، تليها المملكة المتحدة بمعدل 13.4% ثم الولايات المتحدة بنسبة 9.2 %. والأهم من ذلك هم أن التوقعات تشير إلى استمرار هذا النمو السريع ليصل إلى ما بين 15 و22% من مبيعات التجزئة بحلول العام 2020.
وعلى مستوى المنطقة، أخذت التجارة الإلكترونية تكتسب انتشاراً متسارعاً: ففي المملكة العربية السعودية، ارتفعت معدلات التجارة الإلكترونية بمعدل متوسط يفوق 30% كل عام. وتعتبر الملابس والإلكترونيات والأجهزة قوة الدفع الأساسية لهذا النمو. وفي المملكة، تمثل المبيعات الرقمية فرصة كبيرة كعامل مسرّع رئيسي لتطوير قطاع التجزئة بسبب انخفاض متطلبات نفقات رأس المال والنفقات التشغيلية مقارنة مع المتاجر التقليدية. فضلاً عن ذلك، توفر التجارة الإلكترونية فرصة الوصول الأسرع إلى السوق مع إمكانية تحقيق تأثير كبير ضمن إطار زمني قصير. وفي واقع الأمر، سيساهم تطوير قطاع التجارة الإلكترونية في المملكة في تحقيق فوائد متعددة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي على حد سواء.
وفي هذا الصدد، قال بابلو مارتينيز، شريك ومدير إداري في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب الشرق الأوسط: "هناك إمكانات كبيرة وواعدة لتطوير التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية. يعتبر معدل الانتشار الحالي محدوداً، إذ يبلغ 0.8%؛ إلا أن العامل الرئيسي لفتح المجال لهذه الإمكانات يكمن في توفير ظروف عمل تعزز تطور لاعبي التجارة الإلكترونية محلياً ضمن المملكة وبالتالي تحفز من الاستئثار بجزء من الإنفاق في التجزئة والذي يتم إجراؤه حالياً في الخارج. أما التأثير الإيجابي لهذا التوجه فيتمثل في أن المهارات والتكنولوجيات المطلوبة للتجارة الإلكترونية مناسبة بشكل متساوٍ لدعم تطوير قطاعات رقمية أخرى، في حين أنه يمكن الاستفادة من خدمات توصيل التجارة الإلكترونية لدعم مكانة المملكة العربية السعودية كمركز لوجستي إقليمي، وهي أولوية رئيسية في رؤية المملكة العربية السعودية 2030".
ويولّد قطاع التجارة الإلكترونية المزدهر العديد من فرص التوظيف لمستويات متنوعة من المهارات تتراوح ما بين المهارات الإدارية وصولاً إلى التشغيلية، كما ويمكن لازدهار هذا القطاع أن يدعم ريادة الأعمال كونه يتضمن معوقات أقل لدخول القطاع بالنسبة إلى الشركات الرائدة، ويوفر مزايا وصول فعالة للسوق أمام منتجات استهلاكية جديدة. وبحسب التقرير، فإن تأسيس قطاع تجارة إلكترونية ضخم سيحفز تطوير نطاق منوّع من مزوّدي الخدمات التكنولوجية المطلوبة لتطوير الحلول التكنولوجية في منصات الدفع، وتصميم المواقع الإلكترونية، وبرمجيات التطوير، وما إلى ذلك.
وأضاف مارتينز بقوله: "بعيداً عن النتائج الاقتصادية، يمكن للتجارة الإلكترونية أن تولّد تأثيراً اجتماعياً كبيراً، إذ أنها قادرة على تحقيق مزايا وصول جغرافي كبير في المناطق الريفية، لأن مركز الإنجاز المركزي يمكنه توصيل المنتجات من خلال العمليات اللوجستية بطريقة فعالة اقتصادياً. وإضافة إلى ذلك، سيحصل المستهلكون على حرية أكبر للاختيار، حيث تمكنهم شفافية الأسعار من الحصول على معلومات أكبر حول البدائل الاقتصادية؛ علاوة على أنه يمكن للمناصب الوظيفية في التسويق، والبرمجيات، والأعمال التجارية، ومجالات الابتكار، أن تستقطب وتجتذب الموظفين السعوديين وتدعم تطوير مجموعة مهارات مستدامة".
وبرغم نموها السريع، لا تزال سوق التجارة الإلكترونية في المملكة حديثة العهد؛ ففي العام الماضي، سجّلت المبيعات الإلكترونية حوالي 0.8% من إجمالي مبيعات التجزئة، وهو رقم أقل بكثير من أسواق التجارة الإلكترونية الرائدة وغيرها من الأسواق الإقليمية ذات الصلة مثل الإمارات العربية المتّحدة التي تسجل فيها أسواق التجارة الإلكترونية 1.5%. وبالإضافة إلى ذلك، لم تحصل الشركات السعودية على حصتها في السوق – بعد – حيث أن الشركات العالمية تستحوذ على النسبة الأكبر من السوق. وفي الواقع، حقق موقع أمازون لوحده، في العام الماضي، حصة تبلغ 15.2% من سوق التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية رغم عدم امتلاك الشركة لأي مكتب محلي في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي.
وتسجّل الشركات العالمية حوالي ثلث مبيعات التجارة الإلكترونية، بدون أن يكون لها أي وجود فعلي على أرض المملكة، الأمر الذي يعتبر دلالة واضحة على الحجم الكبير من الفرص التي يمكن للتجارة الإلكترونية أن تكشف عنها. وفي حقيقة الأمر، يعتبر المستهلك السعودي مستعداً لدفع رسوم توصيل أعلى والانتظار لفترات أطول في سبيل الحصول على تشكيلة واسعة وخدمات أعلى جودة يقدّمها اللاعبون العالميون. ويبدو جلياً أنه إذا تمكن اللاعبون المحليون من تقديم عروض مشابهة، فإنهم لن يحصدوا نسبة المبيعات البالغة 30% التي يستأثر بها اللاعبون الداخليون اليوم فحسب، ولكنهم على الأرجح سيسجّلون أيضاً نمواً واضحاً في طلب المستهلك نظراً إلى خدمات التوصيل الأرخص والأسرع التي يساعدهم حضورهم المحلي في توفيرها. وفي الواقع، لا تزال الشركات المحلية تواجه عوائق واضحة، وكمثال نذكر: سوق. كوم، وهي إحدى الشركات الرائدة في سوق منطقة دول مجلس التعاون الخليجي التي توفّر تشكيلة مكوّنة من مليون وحدة مخزّنة تقريباً، مقارنة مع روّاد السوق العالمية مثل أمازون بـ 132 مليون وحدة أوn11.com، أحد الأسواق الإلكترونية في تركيا، والذي يقدّم 25 مليون وحدة مخزّنة، وهو ما يشير إلى الإمكانات الهائلة الكامنة في السوق. فضلاً عن ذلك، تواجه سرعة وخيارات التوصيل في المنطقة عوائق شتى أيضاً، حيث أن أسرع خيار للتوصيل هو اليوم التالي، في حين أن اللاعبين الدوليين يوفرون خدمة التوصيل في نفس اليوم، أو التوصيل في غضون ساعات قليلة.
وكي تحقق سوق التجارة الإلكترونية ازدهاراً وانتشارً أوسع في المنطقة، فلا بد من إرساء بيئة أعمال مناسبة. وفي حين أن مهمة تطوير التجارة الإلكترونية كانت تقع في الأغلب على عاتق مبادرات الشركات الخاصة، هناك دور محوري يمكن للحكومة أن تلعبه في هذه العملية من خلال تأمين كافة عوامل التمكين المطلوبة في السوق.
ومن جهته قال لوكا باربي، مدير مشاريع في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب الشرق الأوسط: "لقد حققت التجارة الإلكترونية نمواً هائلاً على المستوى العالمي. وفي السياق نفسه، هناك مؤشرات قوية في المملكة العربية السعودية تفيد بأن المستهلك سيتبنى التجارة الإلكترونية كجزء من ممارساته الشرائية؛ ولكن استعداده لشراء العروض المحلية محدود للغاية حيث أن 30% من المبيعات تأتي من لاعبين لا يمتلكون أي حضور محلي. وهنا تبرز أهمية التدخل الحكومي لإيجاد بنية أعمال مناسبة للتجارة الإلكترونية. وعلى وجه التحديد، يجب أن تحفّز القوانين والأنظمة الحكومية تطوير قطاع لوجستي محلي تنافسي، وتبني حلول دفع إلكتروني آمنة ومتطورة، وتسهيل العمليات الجمركية لاستيراد وتصدير منتجات التجزئة".
ولقد تم تحديد خمسة عوامل تمكين رئيسية يمكنها أن تحقق تطويراً ملحوظاً في بيئة الأعمال لتطوير التجارة الإلكترونية. وتتضمن هذه العوامل الخدمات اللوجستية على المستوى المحلي – بما يشمل الإشراف على خدمات التوصيل السريعة والخدمات عالية الجودة بأسعار تنافسية؛ وتوفير إطار عمل تنظيمي يدعم تبني تكنولوجيات الدفع الإلكتروني؛ وتنظيم إجراءات الجمارك لتحقيق عمليات استيراد وتصدير سريعة ومريحة للمنتجات؛ وتطوير حاضنات لتوفير منصة للابتكار وريادة الأعمال؛ وتطوير الاتصال الشبكي من خلال تحديث البنية التحتية التقليدية.
وأخيراً اختتم باربي: "لقد اتخذت المملكة العربية السعودية بالفعل أولى الخطوات للحد من هذه المعوقات وتقديم إطار عمل تنظيمي لمعالجة تلط المعوّقات والتخفيف من أثرها. ومع أن الطريق لا يزال طويلاً للوصول إلى تطوير بيئة أعمال تُفضي إلى منظمة تشغيلية راسخة ومتينة للتجارة الإلكترونية، إلا أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج تمتلك بدون شك البيئة المناسبة لتحقيق ذلك. إن الشباب الخليجي المولع بالتكنولوجيا، ومقدرة التجارة الإلكترونية على تحقيق التطور والتوسع بشكل سريع، يمنحان المملكة العربية السعودية فرصة متميزة لتحقيق قفزة نوعية في مجال تطوير قطاع التجارة الإلكترونية وإحداث آثار اجتماعية واقتصادية ملحوظة وملموسة للمملكة".