تعتبر الإساءة للأطفال من أخطر الجرائم التي أخذت بالتزايد في بعض المجتمعات في أنحاء متفرقة من العالم، وهي تندرج ضمن التعدي على حقوق الأطفال، ولها عواقب خطيرة، لا تعود على الطفل المعتدى عليه فحسب وإنما تنعكس آثارها على المجتمع ككل، كما أن آثارها السلبية قد تلازم الطفل في جميع مراحل حياته، حيث تؤثر فيما بعد على تنشئته، وتعليمه، وسلوكه مع المحيطين به.
ولخطورة هذه الظاهرة وما يترتب عليها من أضرار وعواقب سلبية، وبتوجيهات قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، خصصت حملة "سلامة الطفل"، إحدى مبادرات المجلس، دورتها الثانية لقضية الإساءات التي تمارس ضد الأطفال، تحت شعار "سلامة الطفل مسؤوليتك".
وهدفت الدورة الثانية من الحملة إلى تحقيق أمن وسلامة الطفل من الاعتداء، وتوعية الأطفال بضرورة الحفاظ على خصوصية الجسد، وإكسابهم مهارات الوقاية من الإساءات، وتعزيز المهارات الاجتماعية لتقوية الجوانب الشخصية لديهم، إلى جانب تفعيل دور المؤسسات ذات الاختصاص لتحقيق أمن وسلامة الطفل.
وقالت هنادي صالح اليافعي، رئيس اللجنة المنظمة لحملة سلامة الطفل، مدير إدارة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة: "تسعى قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، من خلال هذه الحملة إلى مواصلة العمل ضمن المنظومة الكبيرة التي أسستها سموها في الشارقة لتوفير بيئة صديقة للطفل والأسرة، ولقد خصصنا الدورة الثانية من حملة سلامة الطفل التي تهدف للوصول إلى مجتمع يتمتع أطفاله بالصحة النفسية والسلامة الجسدية، لقضية الإساءة للأطفال، واستطاعت الحملة أن تغطي كافة المدن في إمارة الشارقة والمناطق التابعة لها (المنطقة الشرقية والمنطقة الوسطى)، حيث استهدفت الأطفال من عمر 4 أعوام إلى عمر 18 عاماً، وأولياء الأمور، والكوادر المدرسية من اختصاصيين اجتماعيين، وممرضين، ومدربي التربية البدنية".
دراسات مسحية
قبل انطلاقة الحملة، حرصت اللجنة المنظمة على توزيع استبيان مسبق على 6126 طالباً وطالبة من مختلف المراحل الدراسية والجنسيات، لقياس نسبة الوعي لديهم حول موضوع الإساءة وأنواعها، ومن خلال الإحصاءات تم استخلاص النتائج وإعداد دراسة خاصة بالحملة، وتنبع أهمية هذه الدراسة من كونها تعتبر أول دراسة على مستوى إمارة الشارقة تسعى إلى قياس وعي الطلاب بمفهوم الإساءة إلى الأطفال.
وأكدت هنادي صالح اليافعي، أن الدراسة وفرت مصدر معلومات مهم للأشخاص المعنيين بحماية الطفل، كما أنها سعت إلى رصد بعض الاقتراحات والاجراءات الوقائية المناسبة للحد من ظاهرة الإساءة إلى الأطفال، وأشارت اليافعي إلى أنه ولمعرفة التقدم المحرز، قامت اللجنة المنظمة كذلك بإجراء دراسة مسحية عقب ختام الحملة واستهدفت جميع الطلاب الذين شملتهم، وذلك كمؤشر قياس لنجاح المحاور التي تم استهدافها خلال الحملة.
مقارنة نتائج الدراسة القبلية والبعدية
أظهرت نتائج الدراسة القبلية أن معدلات وعي الطلاب بمفهوم الإساءة بلغ 73.2%، حيث بلغت نسبة الوعي عند الإناث 64.7%، وعند الذكور 32.8%، بينما ارتفع معدل نسبة الوعي في الدراسة البعدية إلى 87.9%، وشكلت نسبة الارتفاع 18%، ووصلت نسبة الوعي لدى الإناث إلى 90.5% ولدى الذكور 75%، كما أشارت الدراسة القبلية إلى وجود 25.3% ليس لديهم وعي بمفهوم الإساءة قبل الحملة، وأن أقل نسبة وعي كانت لدى الجنسيات غير العربية، إذ أظهرت أن نسبة الوعي بمفهوم الإساءة بينهم قبل الحملة كانت 3.4% فقط، قبل أن تؤكد الدراسة البعدية ارتفاع هذه النسبة إلى 93.3% بعد ختام الحملة.
وفيما يخص إجمالي نتائج الدراسة القبلية والتي تضمت عدة أسئلة فقد جاءت على النحو التالي: أكثر أساليب الإساءة انتشاراً وتمارس ضد الأطفال على الترتيب هي: لمس الأماكن الحساسة، والتلفظ بكلمات غير أخلاقية، والملاصقة الجسدية، والنظر إلى الأماكن الحساسة، واستعراض الأعضاء الحساسة للمعتدي.
وأشارت نتائج الدراسة القبلية كذلك إلى أن أكثر الأماكن التي تحدث فيها الإساءة للطفل على الترتيب هي: الأماكن المزدحمة، والشوارع العامة، والمدرسة، والحافلة المدرسية، والمنزل، كما أكدت الدراسة أن أكثر الأشخاص المتوقع إساءتهم للأطفال على الترتيب هم: الغرباء، والسائقين، وزملاء المدرسة، والأقرباء، وأفراد الأسرة، وأن الأشخاص الذين يلجأ اليهم الطفل عادةً عند تعرضه للإساءة على الترتيب هم: الأم، الأب، الشرطة، المعلم، الأشخاص الآخرين الموثوق فيهم. أما نتائج الدراسة البعدية فقد أشارت إلى ازدياد معـدلات ثقـة الأطفـال بالأسـرة والمعلم، إذ أظهرت أن الأشخاص الذين يلجأ اليهم الطفل عند تعرضه للإساءة على الترتيب هم: الأم، الأب، المعلم، الأشخاص الآخرين الموثوق فيهم، الشرطة.
الفعاليات والمستفيدين
نفذت الحملة 291 فعالية في عدد من المدارس والمؤسسات في مدينة الشارقة والمنطقة الشرقية والمنطقة الوسطى، وتضمنت الفعاليات تنظيم 223 ورشة عمل، و34 محاضرة، و12 برنامجاً إذاعياً، و6 ندوات، إلى جانب تخصيص خمس خطب جمعة لموضوع الإساءة للأطفال، وأربعة أفلام سينمائية خاصة بالطفل.
وحول الشرائح التي استهدفتها الحملة أشارت هنادي صالح اليافعي إلى أن "الحملة ركزت بشكل كبير على الطلاب، حيث خصصت لهم 235 فعالية استهدفت طلاب الصفوف الأول والثاني والثالث الأساسي، ومراحل الروضة والحضانة، كما تم تنظيم 50 فعالية خاصة لأولياء الأمور، وأربع فعاليات لذوي الاحتياجات الخاصة، بينما استهدفت بقية الفعاليات مدربي التربية البدنية والمعلمات والمشرفات، وشارك في تنظيم هذه الفعاليات 75 محاضراً ومحاضرة معتمدة".
واستفاد من هذه الفعاليات الآلاف من الطلاب وأولياء الأمور والكوادر التدريسية، وكانت أعلى نسبة حضور لأولياء الأمور، إذ حضر 18384 ولي أمر، تلتهم فئة الطلاب بمشاركة 12674 طالباً وطالبة، وقد شهدت الفعاليات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة مشاركة 137 شخصاً، كما استفاد من هذه الفعاليات 143 من الكوادر التدريسية، و148 من مدربي التربية البدنية، ليصل إجمالي المستفيدين من الحملة إلى 31486 شخصاً.
استخدام الأساليب التوعوية
استخدمت اللجنة المنظمة في حملتها عدداً من الأساليب التوعوية المتنوعة، حيث وزعت الحقيبة التوعوية التي احتوت على الكتيب التوعوي الخاص بالأطفال بعنوان "أنا أعرف حقوقي"، والذي استعرض للأطفال طريقة التصرف المطلوبة للفت الانتباه في حال مواجهتهم خطر الإيذاء، إلى جانب توزيع صافرة إنذار، وكراسة، وبعض الأدوات الأخرى. ولتعزيز وعي أولياء الأمور بهذه الظاهرة فقد تم توزيع كتاب "كيف أحمي ابني من الإساءة" على عدد كبير من الأسر وجميع أولياء الأمور والمختصين الذين قاموا بحضور الورش. كما تم إنتاج فيلم توعوي قصير تدور أحداثه حول موضوع الإساءة للأطفال وكيفية التصرف في مثل هذه المواقف، يتم عرضه بشكل يومي من خلال شاشة تلفزيون الشارقة.
النتائج والتوصيات
بعد ختام الحملة كشفت اللجنة المنظمة للحملة عن النتائج والتوصيات النهائية، وأكدت النتائج على ارتفاع نسبة الوعي المجتمعي بظاهرة الإساءة للأطفال في المجتمع ومدى خطورتها، ونجاح الحملة في رفع مستوى وعي المستهدفين من الأطفال بموضوع الإساءة من 73.2% إلى 87.9%، إلى جانب نجاحها في تفعيل برامج الوقاية المقدمة للأطفال حول موضوع الإساءة، كما أكدت على إسهام الحملة في التعريف بالأرقام الهاتفية الخاصة بحماية حقوق الطفل في جميع إمارات الدولة، كما كشفت النتائج النهائية عن حالات تعرضت للإساءة، ما ترتب عليه توجيهها لتلقي العلاج المناسب لدى الجهات المختصة.
وفيما يخص التوصيات العامة التي خرجت بها الحملة فقد انقسمت إلى عدة أقسام، حيث تم تصنيفها حسب مواقع واختصاصات المؤسسات التي خاطبتها الحملة وجاءت على النحو التالي:
التوصيات الخاصة بإدارة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة
تعيين فريق عمل متخصص، يعني بالتخطيط والتنسيق والمتابعة والتطوير بخصوص الإساءة للأطفال، وإنشاء مكتب بالمجلس لمتابعة الفعاليات وما تم إنجازه من توصيات مع السعي إلى تفعيل القوانين المعنية بقضية الإساءة، وضرورة قيام المجلس بوضع استراتيجية شاملة للتوعية بحماية الطفل تشمل كل قطاعات الإمارة، والتنسيق الكامل بين المدارس والمنطقة التعليمية والجهات المختصة والمجلس في ما يتعلق بقضايا الإساءة للأطفال.
التوصيات للمؤسسات المجتمعية
ضرورة استمرار فعاليات وأنشطة الحملة حول موضوع الإساءة ضد الأطفال، وذلك من خلال تغيير المستهدفين بحيث يتم التركيز أكثر على أولياء الأمور، ومرافقي ومرافقات الحافلات، والسائقين، ومشرفي ومشرفات الفصل، وذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب الدعوة إلى الاطلاع على القوانين الخاصة بحماية حقوق الطفل، ونشر كل ما يتعلق بموضوع الإساءة للأطفال، وضرورة وضع خطة إعلامية متكاملة لمواجهة خطر هذه الظاهرة بطريقة تتناسب مع لغة الطفل.
التوصيات خاصة بالنظام التعليمي
إلزام منطقة الشارقة التعليمية بعمل ورش توعوية بشكل مستمر حول موضوع الإساءة للأطفال، وتركيب كاميرات مراقبة في الحافلات المدرسية وفي مرافق المدرسة، وتطبيق الفصل بين الفئات العمرية في المدارس، إلى جانب زيادة عدد الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين في المدارس وتفعيل دورهم في قضايا الإساءة للأطفال، وكذلك تفعيل دور أولياء الأمور، وتضمين قوانين حماية حقوق الطفل في اللوائح المدرسية.
توصيات خاصة بوزارة الداخلية
التركيز على إعداد برامج توعوية لفئة الذكور في المدارس الحكومية والخاصة، وإعداد دراسات علمية مُحكّمة على الطلاب حول قضية الإساءة للأطفال لمعرفة أسبابها وتداعياتها، وكل ما يحيط بها، إدراج مادة قانونية مشددة العقوبة لكل من يمارس أي نوع من الإساءة في جميع الأماكن وتضمين وتفعيل ذلك في اللائحة المدرسية، وإلزام وزارة الداخلية للحافلات المدرسية بوضع حاجز بين السائق والطلبة مع وجود مشرف في كل حافلة، والدعوة إلى ورشة عمل تضم وزارة العدل، ودائرة الخدمات الاجتماعية، ووزارة التربية والتعليم، والقيادة العامة لشرطة الشارقة، ودائرة الشؤون الإسلامية، لبحث المواد القانونية المتعلقة بالإساءة ضد الأطفال واقتراح أنسب الطرق لتفعيلها بشكل موحد.
وبدورها توجهت رئيس اللجنة المنظمة لحملة سلامة الطفل، مدير إدارة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، هنادي صالح اليافعي، بالشكر إلى كل من أسهم في تنفيذ الحملة من طلاب، ومعلمين، ومتطوعين، وأفراد، ومؤسسات، وقالت: "نتوجه بالشكر لكل من شارك وأسهم في وصولنا إلى هذه النتائج التي تحققت، وأخص بالشكر شركاءنا الاستراتيجيين في المنطقة الحرة لمطار الشارقة الدولي، ومصرف الشارقة الإسلامي، إلى جانب بقية المشاركين في الحملة من دائرة الخدمات الاجتماعية بالشارقة، وإدارة الشرطة المجتمعية بالشارقة، ومراكز التنمية الأسرية، ودائرة الشؤون الإسلامية، ومجلس الشارقة للتعليم، ومؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال، ومؤسسة "فن"، ومؤسسة آي سي دي إل ICDL".