تعزف الجهات التمويلية بحكم طبيعتها وتكوينها عن المخاطرة، ودائماً ما تسعى إلى خفض درجة المخاطرة في أي عملية تمويل، وأحد الأهداف الرئيسية من ذلك هو رفع مستوى الجدارة الائتمانية لدى الجهة الطالبة للتمويل وكذلك لتفادي تعثرها، ونرى ذلك من خلال تعاملها الناجح والمستمر مع الشركات الكبرى لامتلاكهم الخبرة والكفاءة الائتمانية في إدارة مشاريعهم، ولكن هذا الحال يشكل معضلة أساسية أمام أحد أهم مكونات الاقتصاد الوطني السعودي والمتمثل بقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والذي يحتوي على قدر عالي من المخاطر وقلة الخبرة والإدارة أحياناً في جزء ليس بقليل في هذا النوع من المشاريع، بالإضافة إلى عدم توفر الضمانات الكافية للحصول على التمويل، ولطالما كان هنالك فجوة عميقة بماهية الضمانات التي تمتلكها المنشأة لضمان سداد قيمة القرض، ولهذه الفجوة أثر كبير في تعطيل وتيرة النمو الاقتصادي وخفض مستوى الابداع وتباطؤ عملية التوظيف، مما ينعكس سلباً على الأهداف والتطلعات العصرية التي تسعى إليها المملكة.
ومن هذا المنطلق، سعت المملكة خلال الفترة الماضية إلى زيادة الوعي بالحلول المتوفرة لتقليص المسافة بين الجهات التمويلية وقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ولعل أبرز هذه الحلول الفعالة هو برنامج كفالة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث يعتبر البرنامج أداة ضمان يلعب دوراً جوهرياً في حل معضلة الضمانات التي تطلبها البنوك التجارية عند رغبة المنشأة الصغيرة والمتوسطة بالحصول على التمويل المطلوب، ليختصر الوقت ويزيل العقبات أمام العديد من المنشآت الطموحة لتحقيق أهدافها التنموية.
برنامج "كفالة" مبني على فهم عميق للسوق السعودي
اعتمد برنامج "كفالة" منذ نشأته على الأسس والإجراءات التي قامت عليها عدد من التجارب الناجحة في العالم، وكان الإدراك المبني على معرفة أهمية هذا القطاع ومدى إسهامه في تنمية انتاجية الدول وزيادة فرص العمل أحد المحفزات الأساسية التي أدت إلى تشكيل مثل تلك المبادرات المعنية بدعم قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث شهد العالم أكثر من 80 برنامج لضمان مخاطر التمويل، أبرزها التجربة الأمريكية عبر "برنامج ضمان مخاطر القروض"، حيث يمارس برنامج ضمان مخاطر القروض والذي تم إنشاؤه عام 1953م إلى إدارة المنشآت الصغيرة، إلى جانب التجربة الاندونيسية التي بدأت ببنك إندونيسيا عام 1971 والتي قامت على إنشاء وحدة لتوفير التمويل والائتمان للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في مجال تمويل رأس المال العامل فقط على أن تبلغ نسبة الضمان 75 % من قيمة القرض الذي تبلغ قيمته تقريباً 15 ألف دولار، أيضاً التجربة الأردنية التي تعتمد على برنامج ضمان القروض المنفذ من خلال الشركة الأردنية لضمان القروض والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالبنوك التجارية من خلال توفيرها الضمان للتمويل الذي تقدمه هذه البنوك لمختلف المقترضين. واستناداً على هذه المبادرات المجدية، يأتي برنامج "كفالة" ليقود المبادرات المعنية بالمشاركة في المخاطرة في المملكة وليحاكي احتياجات الاقتصاد المحلي عبر لعب دور الوساطة الفعالة بين كل من المؤسسة الصغيرة والمتوسطة وبين جهة التمويل.
مبادرات الضمان التمويلية ضرورة ملحة للاقتصاد السعودي
يعتبر عامل نمو ونجاح المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة من أهم مقومات النمو والنجاح الاقتصادي، فضلاً عن القدرات الهائلة التي يظهرها القطاع لدعم وتحقيق رؤية المملكة 2030، ففي السنوات الأخيرة زاد التركيز على ضرورة دعم وتطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ولمساعدة هذا القطاع على تعزيز دوره وإسهامه في تطلعات المملكة، يجب توفير عدة مبادرات تقدم برامج ضمان لمساعدة هذه المنشآت على تخطي عائق التمويل الذي تواجهه بسبب نقص الضمانات التي تقدمها للجهات الممولة.
برنامج "كفالة" والبنوك التجارية
يقوم برنامج كفالة بتعزيز وتشجيع البنوك التجارية على زيادة حجم التمويل الممنوح للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، من خلال ضمان نسبة من التمويل المقدم لتلك القطاع بهدف ارتفاع نسبة المنافسة في القطاع المصرفي السعودي، وتعزيز حقيبة العروض المطروحة لقطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة. كما يركز البرنامج على الأنشطة ذات القيمة المضافة والتي تسهم في رفع مستوى التوظيف وتنويع مصادر الدخل. ولذلك يقوم بتنفيذ حملات توعوية بالتعاون مع البنوك السعودية لأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة حول المملكة لتعريفهم بالخدمات المطروحة لهم.