شركات منطقة الشرق الأوسط تتبنى نظاماً أكثر فاعلية لإحداث التحوّل الرقمي وتضع حداً للنقاش الدائر بخصوص الاستثمار في الأنظمة السحابية العامة أو الأنظمة السحابية الخاصة.
بقلم المهندس/ سيف م. مشاط، رئيس وحدة الحوسبة السحابية بشركة "آي بي أم" في السعودية
يشهد سوق الأعمال مستويات غير مسبوقة من التغيير، حيث تواجه ثلث أفضل 20 شركة تحديات رقمية كبيرة، الأمر الذي يفرض على الشركات التحوّل السريع نحو الابتكار وتوفير خدمات استثنائية للعملاء وكذلك إحداث نقلة نوعية في نماذج أعمالها. كما تستفيد اليوم 80% من الشركات من الحوسبة السحابية باعتبارها ركيزة أساسية لإحداث التحوّل الرقمي.
وعلى الرغم من حدوث هذه التغيرات الكبيرة، ما تزال مسألة أمن البيانات وتكاملها وطريقة تخزينها تشكل عائقاً يمنع اعتماد تقنيات الحوسبة السحابية من قبل العديد من الشركات في منطقة الشرق الأوسط. وبينما تواجه شركات منطقة الشرق الأوسط ضغوطات مستمرة لزيادة الإنتاجية وتخفيض التكاليف، أصبحت مسألة نقل منصات الأعمال والتطبيقات إلى الحوسبة السحابية ضرورة ملحّة وليست مجرد خيار متاح أمام الشركات.
وبالنظر إلى العاميين الماضيين، نجد أن أهمية اعتماد الحوسبة السحابية في عالم الأعمال لم تكن واضحة بالقدر الكافي. إذ كانت الشركات تملك حرية الاختيار بين الخدمات السحابية العامة والخدمات السحابية الخاصة؛ فالخدمات السحابية العامة تمنحها إمكانية تخفيض النفقات مع الاحتفاظ بالقليل من مزايا التحكم المباشر، في حين تمنحها الخدمات السحابية الخاصة المزيد من الأمان والخدمات المخصصة والفرص الاستثمارية في المستقبل. وبدورهم، واجه مدراء تكنولوجيا المعلومات في الشرق الأوسط تحدياً كبيراً لاختيار الخدمات السحابية المناسبة التي لا تلبي الاحتياجات الحالية فحسب، بل تتيح لهم أيضاً إمكانية مواصلة الاستثمار في مجال تكنولوجيا المعلومات بما يتناسب مع المتطلبات المستقبلية. أما الشركات التي تمتلك رؤية طموحة، فهي تدرس الآن وبشكل جدي كافة السبل التي تمكنها من اعتماد تقنيات الحوسبة السحابية بطريقةٍ تدعم الابتكار وتخفض التكاليف في آنٍ معاً.
وتوقعت شركة "ماركتس آند ماركتس" أن تسجّل خدمات الحوسبة السحابية الهجينة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا نمواً لافتاً خلال السنوات الخمس المقبلة نظراً لتحسّن كفاءة الأداء واستخدام المزيد من التقنيات المطوّرة. ومن المتوقع أيضاً أن تتصدر المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة قائمة الدول الأسرع نمواً التي تتبنى حلول وخدمات السحابة الهجينة في المنطقة. كما تشير التوقعات إلى أن نسبة النمو في خدمات الحوسبة السحابية الهجينة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا سوف ترتفع من 2.13 مليار دولار أمريكي في العام 2016 إلى 6.69 مليار دولار أمريكي بحلول العام 2021 أي بمعدل نمو سنوي مركب بمقدار 25.8% من العام 2016 وحتى العام 2021.
وقد أشارت شركة آي بي أم إلى أن 85% من الشركات الرائدة ترى بأن الحوسبة السحابية الهجينة سوف تسّرع عملية التحوّل الرقمي مع تفوق تقنيات السحابية الهجينة على التقنيات السحابية العامة. ويتيح نظام الحوسبة السحابية الهجينة للعملاء إمكانية دمج منصات الأعمال والتطبيقات وليس نقلها، الأمر الذي يعزز من قيمة الاستثمارات الحالية.
درجة أقل من التعقيد وآفاق أوسع للابتكار
تعمل الشركات الكبيرة والصغيرة اليوم على دراسة الأنظمة السحابية المختلفة بهدف تقييم متطلباتها الحالية والمستقبلية.
وبالنظر إلى العبر المستقاة من المراحل الأولية من توظيف تقنيات الحوسبة السحابية ، وجدت العديد من الشركات أن توفير خدمات الحوسبة السحابية الخاصة يحتاج إلى جهد كبير وأن استخدامها أسهل بكثير. فقد يكون التعامل مع الشبكات أمراً في غاية التعقيد ويجعل الشركات بحاجة إلى امتلاك خبرة عريقة في مجال تكنولوجيا المعلومات حتى تتمكن من توفير الأسس المناسبة وهذا يستغرق الكثير من الوقت. وبإجراء مقارنة بين الخدمات السحابية الخاصة والخدمات السحابية العامة، نجد أن الأولى توفر مزايا تعجز الأخيرة عن توفيرها وتتمثل هذه المزايا في مصادر البيانات الواسعة والوظائف الأمنية الفعالة. ولذلك يتم اعتماد الخدمات السحابية الخاصة بكثرة في قطاعاتٍ مثل البنوك التي تحتاج إلى اعتماد أنظمة صارمة تحمي بياناتها وتتيح لمدراء تكنولوجيا المعلومات فرض كامل سيطرتهم على بنيتها التحتية.
وبالحديث عن الخدمات السحابية العامة، فقد وفرت هذه الخدمات الحل الأمثل بالنسبة للعديد من الشركات في الشرق الأوسط وساهمت في زيادة أرباحها. فالاعتماد على الخدمات السحابية العامة يُغني الشركات عن استخدام الأنظمة المعقدة والمكلفة التي تحتاجها تكنولوجيا المعلومات وتتطلب تكاليف عالية وإمكانات كبيرة وخبرات إدارية كبيرة لتشغيلها بكل كفاءة. كما تتيح الخدمات السحابية العامة إمكانية تطويرها عند الحاجة وكذلك الاستفادة من مزايا الحوسبة السحابية دون الحاجة إلى ضخ المزيد من الاستثمارات لتطوير البنى التحتية. وبذلك لا يتوجب على الشركات سوى استئجار الأدوات التي تحتاج إليها فقط.
ومع ظهور تقنيات الحوسبة السحابية الهجينة اليوم، لم تعد الخدمات السحابية العامة والخدمات السحابية الخاصة توفران الحل المثالي لكافة الشركات.
ولأنها تجمع بين أفضل المزايا المتوفرة في الخدمات السحابية العامة والخدمات السحابية الخاصة في آن واحد، تحقق الحوسبة السحابية الهجينة اليوم انتشاراً متزايداً في منطقة الشرق الأوسط. فهي لا تقدم للشركات فوائد مزدوجة فحسب بل تمنحها أيضاً مزايا إضافية للتحكم والأمان. ولا تلبي تقنيات الحوسبة السحابية الهجينة متطلبات الأنظمة وقوانين الامتثال وتتفوق على الأنظمة السحابية العامة فحسب بل تساعد الشركات في ادخار الاستثمارات المرصودة لتكنولوجيا المعلومات بهدف تنفيذ عدد كبير من أهم العمليات.
قد تبدو مسألة اعتماد تقنيات الحوسبة السحابية الهجينة أمراً بسيطاً للغاية، إلا أن التحدي الأبرز الذي رافق الانطلاقة الأولى لخدمات الحوسبة السحابية الهجينة تمثّل في كون الشركات عاجزة تقريباً عن دمج كلا النظامين معاً. فعندما تعتمد على الخدمات السحابية الخاصة بك بهدف تنفيذ عمليات محددة، فإن دمجها مع الخدمات السحابية العامة أو حتى مع الخدمات السحابية الخاصة التابعة لشركة أخرى قد يكون أمراً شبه مستحيل. لكن بفضل تطوير أنظمة الحوسبة السحابية العامة وأنظمة الحوسبة السحابية الخاصة وتأسيس منصات جديدة مفتوحة في منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد أصبح تطبيق خدمات الحوسبة السحابية الهجينة أمراً ممكناً.
الجدير بالذكر أن العديد من كبرى الشركات في منطقة الشرق الأوسط تؤمن بأن نظام الحوسبة السحابية الهجينة يمنحها الحل المثالي لزيادة مرونتها وإضفاء مزيد من الانسيابية إلى عملها بل ويمكنها في الوقت ذاته من تحسين مزايا التحكم والأمان وتكوين رؤية واضحة عن مسار العمل. فعلى سبيل المثال قامت شركة الاتحاد للطيران مؤخراً بتوقيع اتفاقية مع شركة آي بي أم بهدف الحصول على خدمات تقنية هامة والتعاون في مجال خدمات الحوسبة السحابية. ومن المتوقع أن تسهم هذه الاتفاقية في إحداث نقلة نوعية في عمليات الشركة على الصعيد العالمي بفضل اعتمادها على التقنيات السحابية والتحليلية والتقنيات المتنقلة والتقنيات الأمنية وكذلك التقنيات القائمة على المعرفة.
وتوضح دراسة آي بي أم للعام 2016 أن ثلثي الشركات المشاركة في إعداد تقرير الحوسبة السحابية الهجينة قد حققت بالفعل مزايا تنافسية من خلال الاعتماد على الخدمات السحابية الهجينة، وأنها تستخدم اليوم تقنيات الحوسبة السحابية الهجينة أكثر بثلاث مرات من السابق تجميع أصول البيانات أو لحصد الأرباح من البيانات.
العوامل التي ينبغي مراعاتها عند تأسيس نظام الحوسبة السحابية الهجينة
عندما ترغب الشركة في إحداث هذه النقلة النوعية والانتقال إلى نظام الحوسبة السحابية الهجينة، سواء أكانت تستخدم نظام الحوسبة السحابية أم لا، فيجب عليها أولاً وقبل كل شيء أن تأخذ بعين الاعتبار العوامل الخمسة الآتية:
التناسق في الخدمة: إن اختيار هذه التكنولوجيا المفتوحة يتيح للشركة تطوير واعتماد الحلول التي تتسم بالمرونة من جهة وتضمن لها حماية استثماراتها المستقبلية في مجال تكنولوجيا المعلومات من جهة أخرى. وهذا ما يضمن للشركة أن الحلول المنفذة على نظام الحوسبة السحابية الخاص بها سوف يعمل بسلاسة مع تكنولوجيا المستقبل.
التكامل الهجين: إن توظيف استثمار الشركات في الحوسبة السحابية من خلال نقل تطبيقات الشركة وبياناتها إلى نظام الحوسبة السحابية يتيح للشركات فرصة الاستفادة من التطبيقات المتوفرة لديها اليوم وإجراء التغييرات اللازمة فقط بما يتماشى مع متطلبات المستقبل.
الحوسبة السحابية الهجينة المخصصة لمجال معين: باستفادتها من البيانات المتوفرة لديها للحصول على القيمة المثلى، فإن اعتماد الشركات تقنيات الحوسبة السحابية الهجينة المخصصة لمجال معين يمكّنها من تكوين تصور واضح عن المشاكل المحتملة ويتيح لها إمكانية الوصول إلى مئات التقنيات ذات المصدر المفتوح لدعم التطبيقات.
زيادة إنتاجية المطور: لا بد أن تصبح الشركات في منطقة الشرق الأوسط قادرة على الاستفادة من الفرص المتوفرة في السوق بشكل أسرع لامتلاك مزايا تنافسية. ويتطلب ذلك من الشركات توفير التطبيقات المبتكرة بسرعة دون أن يؤثر ذلك على مستوى الجودة ومزايا الحماية والامتثال. وهذا يعني أن تكون الحوسبة السحابية الهجينة قادرة على توفير المنصة المناسبة للقيام بذلك.
القدرة على توفير حلول قائمة على المعرفة: من خلال توفر حلول التحليل السحابية القائمة على المعرفة، تتمكن الشركة من اتخاذ قرارات أكثر ذكاء وبسرعة أكبر بما يلبي متطلبات الأعمال بشكل فوري. وبدورها توفر التقنيات القائمة على المعرفة كل ما تحتاج إليه الشركة من الخبرات والمعلومات المطلوبة لتكوين فهم عميق ومعرفة شاملة، وهذا أشبه بوجود استشاري خاص في الشركة. وهكذا، يجب أن يقدم كل عنصر من عناصر الحوسبة السحابية خدمة معرفية وإلاّ لن تكون هذه الأنظمة السحابية قادرة على توفير القيمة المرجوة منها.
أخيراً وليس آخراً، أود أن أؤكد أنه يجب على الشركات في منطقة الشرق الأوسط تحسين نطاق التعاون بين قسم تقنية المعلومات ومختلف الأقسام الرئيسية في الشركة وكذلك دمج البيانات الكبيرة والتقنيات المتنقلة ووسائل التواصل الاجتماعي وإنترنت الأشياء مع متطلبات البنية التحتية الموجودة، الأمر الذي يجعل من خيار الحوسبة السحابية الهجينة أمراً لا بد منه.