استبشر أبناء الوطن كافة بالمشروع التنموي (نيوم) الذي أطلقه يوم أمس صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، ويقع على مساحة قدرها 26500 كم2 في شمال غرب المملكة، ويعد أحد المشروعات الوطنية الضخمة التي تطل على البحر الأحمر من على جبال "مدين" ويلتقي على أرضه الجغرافيا الطبيعية المتنوعة، والتاريخ القديم الذي يضم آثارًا وبيوتًا منحوتة تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد.
ومشروع "نيوم" من المشروعات الحديثة التي ترتبط باستراتيجية رؤية المملكة 2030، وله أهداف عميقة ترتقي بمكانة الوطن والمواطن، وتشدّك تفاصيله إلى استدعاء الذاكرة للتمعن في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - حينما أطلق الرؤية، حيث قال - رعاه الله - : "هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجًا ناجحًا ورائدًا في العالم على كافة الأصعدة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك"، ومن ذلك الحين أضحى المواطنون يعيشون حياة ديناميكية ملؤها التفاؤل برؤية المملكة التي شكلت منعطفًا إيجابيًا مهمًا في حياتهم، وحفزتهم على المضي خلف القيادة الرشيدة لبناء حاضر الوطن، وتأمين مستقبله، وحماية مكتسباته الممتدة على مساحته المترامية الأطراف في شبه الجزيرة العربية.
وكل حلم كان بالأمس يلاطف إحساسنا تحوّل اليوم إلى حقيقة نشهد إنجازها وذلك بفضل الله تعالى ثم بفضل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، فلا نكاد نتأمل في أبعاد الحاضر الذي يزخر بمشروعات تنموية مختلفة، إلا وتأتي القيادة الرشيدة بالجديد الواعد للوطن الذي يكفل لنا - بحول الله تعالى - السير بخطى ثابتة في "كون" اجتاحته ثورة تقنية عارمة أصبح معيار السرعة فيها له الغلبة.
وبالأمس شاهد الجميع إطلاق المشروع الحُلم "نيوم" الذي يحمل طابع الجمال في مكوناته الطبيعية، وله أهمية استراتيجية للمملكة لا تقل بأي حال من الأحوال عن أهميّة الرسائل الوطنية التي تناول عرضها سمو ولي العهد أمام الحاضرين والمشاركين خلال مشاركته في أعمال "مبادرة مستقبل الاستثمار" المنظم من قبل صندوق الاستثمارات العامة في الرياض.
وبشفافية مطلقة استعرض سمو ولي العهد في رسائله الصورة المشرقة للمملكة وسط التطورات التقنيّة التي يعيشها العالم، والإمكانيات المتوفرة، والفرص الاستثمارية التي تنتظرها من خلال تعاون أبناء الوطن وتكاتفهم مع القيادة بوصفهم الوقود الذي يدعم تطور المملكة ويضعها على خارطة الدول المتقدمة كما قال سموه، في حين استنهضت كلمات سموه الحماسيّة همم الشباب والفتيات، ولم يزل صداها يشنف آذانهم ويتردد بينهم حتى جعلت أفئدتهم تلتهب بمحبة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين نظير ما يبذلانه - رعاهما الله - من أجل رفعة الوطن ومواطنيه.
وهذا التجمع الاقتصادي الكبير في قلب المملكة النابض (مدينة الرياض) لم يكن مجرد مناسبة عابرة، بل كان نتاجًا لجهود حثيثة قام بها سمو ولي العهد - حفظه الله - حتى أثمر عنه اجتماع نخبة من الاقتصاديين الذين يتجاوز مجموع قيمة الأصول التي يديرونها في العالم ( 22 تريليون دولار) من أصل ما يقارب من 90 تريليون دولار من حجم الأصول العالمية، وذلك لمناقشة الاتجاهات والفرص والتحديات والقطاعات الناشئة التي ستسهم في رسم ملامح مستقبل الاستثمار في العالم خلال العقود المقبلة في إطار مواكبة تطلعات القيادة الرشيدة، وتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
وبالنسبة للمشروع الحلم، فقد أعلن سمو ولي العهد اشتراك تسعة قطاعات استثمارية متخصصة فيه بغية استهداف مستقبل الحضارة الإنسانية، وهي : الطاقة والمياه، والنقل، والتقنيات الحيوية، والغذاء، والعلوم التقنية والرقمية، والتصنيع المتطور، والإعلام والإنتاج الإعلامي، والترفيه، بالإضافة إلى مستقبل المعيشة، وقوة هذه الخطوة تكمن في إن لكل قطاع من هذه القطاعات دوره المهمّ في دعم الاقتصاد الكلي للمملكة كما أكد الاقتصاديون.
وعلق على ذلك الجانب، الكاتب الاقتصادي والمحلل المالي الدكتور فضل بن سعد البوعينين الذي قال: إن هذا التجمع الاقتصادي الكبير قلّ مثيله في العالم، إذ يجتمع في قمة مبادرة مستقبل الاستثمار نخبة المستثمرين المعروفين في العالم الذين تقدر استثماراتهم بمئات مليارات الدولارات الأمريكية، ووجودهم في أعمال المبادرة بحد ذاته مهم للمملكة لمناقشة الأمور الاستثمارية الواعدة في ظل وجود رؤية طموحة وهي رؤية المملكة 2030.
وأفاد أن حجم الاستثمار الكبير الذي أعلنه سمو ولي العهد في مشروع "نيوم" لفت اهتمام كبار المستثمرين في جلسات أعمال مبادرة مستقبل الاستثمار من خلال المداخلات التي أثرت هذه الجلسات، والحوارات الجانبية التي كانوا يتبادلونها مع الاقتصاديين السعوديين على هامش أعمال المبادرة، مؤكدًا أن فكرة استقطابهم إلى المملكة من الخطوات المتميزة التي تحسب لسمو ولي العهد.
ولفت البوعينين النظر إلى أن مشروع "نيوم" يعد نموذجا فريدًا من نوعه لما يسمّى عالميًا بـ"المدن الذكية"، كما يعد مكسبًا اقتصاديًا كبيرًا للمملكة العربية السعودية على ضفاف البحر الأحمر، مبينًا أن أحد أهم هذه المكاسب هي : حجم الموارد التي ستجنيها المملكة نتيجة تقديمها للخدمات اللوجستية لعشرة في المئة من حجم التجارة العابرة لحدود المياه الإقليمية السعودية على البحر الأحمر.
وبين أنّ المملكة ستجني مكاسب أخرى من مشروع "نيوم" تتمثل في تشغيل الاستثمارات الأجنبية لشركات الحديد والإسمنت في المملكة، ومؤسسات البناء، إضافة إلى إيجاد العديد من الفرص الوظيفية المتنوعة لشباب وفتيات الوطن سواء للأكاديميين أو الفنيين، بالإضافة إلى تنمية منطقة شمال غرب المملكة في مختلف الجوانب : الإنشائية، والترفيهية، والسياحية، والثقافية، وغيرها.
ويعبر مشروع "نيوم" عن التطور الكبير الذي تشهده المملكة العربية السعودية في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - ، حسبما وصف صاحب السمو الأمير الدكتور ممدوح بن سعود بن ثنيان خبير الطاقة المستدامة في جامعة الملك سعود، ووكيل جامعة شقراء المكلف - حاليًا -، إذ أكد سموه أن المملكة تشهد تطورًا سريعًا في المجالات الاقتصادية والتنموية وفق رؤية طموحة قادها سمو ولي العهد من خلال الاهتمام بتنمية الموارد البشرية، وتوظيف التقنيات الحديثة في شتى مناحي التنمية لزيادة معدلات الاستثمار، ومشروع "نيوم" أحد دلائل هذه الرؤية.
وقال سمو الأمير ممدوح : إن مشروع "نيوم" من المبادرات الوطنية التي تحتضن حزمة من التقنيات الحديثة في مجالات عدة مثل: الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وذلك لإيجاد مدينة عصرية متطورة وصديقة للبيئة، ويعد خيار الطاقة المتجددة الحل الأمثل في ظل ارتفاع الطلب على الطاقة، واعتماد المملكة حاليًا على مصادر الوقود الأحفوري لتوفير احتياجاتها من الطاقة.
وأضاف سموه أن المشروع يقدم مجموعة من التقنيات المناسبة لجغرافية المكان وخواصه الطبيعية، ويقع في شمال غرب المملكة حيث متوسط الساقط من الإشعاع الشمسي 2500 كيلو واط للمتر المربع، وهو خيار استراتيجي مناسب لاستغلال تقنيات الخلايا الشمسية في ظل انخفاض شدة درجات الحرارة في منطقة المشروع الأمر الذي يزيد من كفاءة الخلايا الشمسية وإنتاجها.
وبالنسبة لطاقة الرياح، أفاد سمو الأمير الدكتور ممدوح بن سعود أن منطقة مشروع "نيوم" تتمتع بتيارات من الرياح بسرعات تعد من الأعلى على مستوى المملكة، موضحًا أن تبني هذه المدينة العصرية لمنظومة متكاملة من طاقة الرياح يعبر عن بُعد نظر سمو ولي العهد في استثمار ثروات الوطن الطبيعية لخير الوطن.
وإلى جانب ما ذكرت وثيقة المعلومات والحقائق من تفاصيل عن جغرافية مشروع "نيوم"، فإن المنطقة تتمتع بجمال جيولوجي فريد من نوعه حيث تقع على نطاق الدرع العربي الممتد من شمال المملكة إلى جنوبها بطول 630 كيلومترًا، ومعظم صخوره يتراوح عمرها ما بين 450 إلى ألف مليون سنة، وهي ضمن نطاق المرتفعات الغربية للمملكة المتمثلة في "جبال مدين" التي تقترب من ساحل البحر الأحمر وساحل خليج العقبة، وتنحدر منها أودية تصب في خليج العقبة وشمالي البحر الأحمر، منها؛ أودية: مبرك، وأم جريفين، وعفال، وعينونة، وتريم.
وتتميز منطقة المشروع بوجود جبل "اللوز" الذي يبلغ ارتفاعه 2549 مترًا، ويبعد عن تبوك 200 كيلومتر باتجاه شمال غرب مدينة تبوك، وهو من أكثر جبال المنطقة برودة ويشهد سقوط الثلوج شتاءً، كما تتميز بوجود جبال : زهد (1980) مترًا، والشياطي (2103) أمتار، وحرب (1786) مترًا، والدبغ (2315) مترًا، وشار (1784) مترًا، حسبما ورد في تقرير لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية.
وعلاوة على ميزة القيمة الاستثمارية لمشروع "نيوم"، يتميز أيضًا بقصصه التي ترويها جغرافية المكان، فجبل "اللوز" برزت سمعته في شمال غرب المملكة بسبب موقعه الجغرافي الذي كان ممرًا لعبور حركة القوافل التجارية في حقب زمنية قديمة تعود إلى الفترة النبطية للقرنين الأول والثاني قبل الميلاد، كما عرف الجبل بتكويناته الصخرية والرملية التي تستقطب هواة التخييم، والتزلج، إضافة لثلوجه الموسمية التي تحظى بإقبال عدد كبير من أهالي منطقة تبوك وزوارها من داخل المملكة وخارجها.
إضافة إلى ذلك، فقد قال الأستاذ المشارك في قسم الجغرافيا بجامعة القصيم الدكتور عبدالله المسند: إنّ منطقة مشروع "نيوم" تسودها الرياح الشمالية الغربية في معظم شهور السنة، وتمتلك تنوعًا جيومورفولوجيًا عجيبًا يتمثل في : الجبال، والأدوية، والوهاد، والنجاد، والرمال الأمر الذي دفع كثيرًا من الرحالة والمستكشفين إلى زيارتها، فضلا عن جمال شواطئها، وجزرها البحرية، وشعبها المرجانية، وخلجانها الطبيعية، وشهرتها بوجود الأشجار المعمرة مثل : الطلح، وتعيش فيها القليل من الحيوانات البرية مثل : الوعول، الذئاب، والضباع.
ولمقر المشروع جانب مهم في استثمار تقنيات الخزن الجوفي، حيث أوضح المشرف على معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء بجامعة الملك سعود الدكتور عبدالملك بن عبدالرحمن آل الشيخ أن المناخ المعتدل لمكان المشروع بسبب تعرضه لمنخفضات البحر الأبيض المتوسط وما ينتج عنها من سقوط كميات من الأمطار والثلوج يمكن أن يطوّر الاستثمار في مجالات: المياه والغذاء، والتصنيع المتطور، والترفيه.
وأفاد آل الشيخ أنه يمكن استثمار تقنيات الخزن الجوفي في السدود القائمة ضمن منطقة المشروع "نيوم" من خلال إنشاء بعض السدود الصغيرة لحجز المياه في مجاري الأودية، ومن ثم خزنها في باطن الأرض بواسطة أنابيب التغذية أو إنشاء غدران صناعية متعددة كبيرة الحجم بالقرب من مجاري الأودية لتوفير أكبر كمية من مياه السيول، للاستفادة من مياه الأمطار، وتخفيف العبء على المياه الجوفية الأزلية العميقة، وازدهار المشاريع الزراعية والصناعية في المنطقة.
وفي ثنايا كلمة سمو ولي العهد عن المشروع برز الحديث عن أهمية التقنيات الحديثة في الحياة، إذ قال سموه : شهدنا تطورات أعادت برمجة حياتنا اليومية، غير أنها لا يمكن أن تقارن بما سيطرأ من تطورات خلال العقد القادم في علوم الروبوتات والذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي والهندسة الحيوية"، وهذا يقود إلى الحديث عن دور التعليم الذي يسهم في إيجاد ودعم العقول التي تتمتع بالمهارة العالية والمبدعة والمنتجة بشكل يمكن من خلاله مواكبة تقنيات مشروع "نيوم" الذكي.
وعالم "الروبوتات" ليس بحديث عهد على المملكة، إذ برز من خلال دور مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية المتمثل في المركز الوطني لتقنية الروبوت والأنظمة الذكية، حيث قدم المركز العديد من المشروعات العلمية في ذلك المجال، ويسعى ضمن أهدافه إلى إنشاء بنية تقنية تسهم في الإثراء المعرفي والتقدم الصناعي والاقتصادي وتوفير فرص استثمارية في هذا القطاع، وبناء القوى البشرية المدربة الفاعلة، فضلا عن دعم المواهب العلمية المحلية على مستوى المدارس والجامعات، وجذبها وصقلها في مجالات الروبوت وأنظمتها الذكية.
وللتعليم دور فاعل في تطوير رأس المال البشري الذي تهتم به المملكة منذ نشأتها قبل 87 عامًا، وأبرزته رؤية 2030 في أهدافها حينما اكدت أهمية توفير فرص التعليم للجميع في بيئة تعليمية مناسبة في ضوء السياسة التعليمية للمملكة، وسد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، وتطوير التعليم العام وتوجيه الطلاب نحو الخيارات الوظيفية و المهنية المناسبة.
ويدخل التعليم في عملية إدارة القطاعات التسعة في منظومة مشروع "نيوم" من خلال كوادر وطنية متخصصة تديرها بكل إتقان مع الخبرات المستقطبة في مختلف التخصصات بما يعود بالنفع على اقتصاد المملكة والنهوض بهذا المشروع الوطني، في حين سيضيف أكثر من 189 ألف مبتعث ومبتعثة والدارسين على حسابهم الخاص مع مرافقيهم في 30 دولة بالعالم الشيء الكبير للمشروع، حيث يتلقى معظمهم التعليم في أفضل 200 جامعة موصى بها عالميًا في تخصّصات مختلفة منها : الهندسة والمعلوماتية، القانون، العلوم الإدارية والمالية، اللغات، والطب.
ويسهم وجود الشبكات المجانية للإنترنت الفائق السرعة أو ما يُسمى بـ"الهواء الرقمي" في المشروع، وتقديم التعليم المجاني المستمر على الإنترنت بأعلى المعايير العالمية في تعزيز توجه المملكة إلى التعليم الإلكتروني، والتعليم المدمج في مختلف جامعاتها ومنها الجامعة المتخصصة في ذلك المجال وهي : الجامعة السعودية الإلكترونية التي تقدم تعليمها وفق أرقى المناهج الأكاديمية بالتعاون مع جامعات عالمية لتلبي حاجة وسوق العمل في المملكة بالتخصصات التي تخدم خططها التنموية ومنها رؤية المملكة 2030.
لكن التعليم في المملكة يؤكد أهمية الاعتماد على المصادر الآمنة والموثوقة في التعليم الإلكتروني، والبرامج والمشروعات المعزّزة للفرص الاستثمارية والمولدة للفرص الوظيفية في انتشار التعلم عبر الإنترنت الذي كان الخطوة الأولى لتلبية احتياجات المتعلم من المرونة في العملية التعليمية، وذلك لضمان جودة مخرجات التعليم.
ومع انفجار التكنولوجيات التعليمية، وظهور المنصات التعليمية (LMS) التي تحاكي العملية التعليمية في كل جوانبها: من طريقة تقديم المادة التعليمية، والأنشطة التعليمية المختلفة، واستراتيجيات التقييم وغيرها، أصبح التعليم الإكتروني أكثر كفاءة من التعليم الحضوري التقليدي في الكثير من الجوانب وفي كثير من التخصصات.
ولم يتوقف التعليم الإلكتروني عند هذا الحد، بل غزا فضاءات واسعة من التعليم التقليدي وغير مناهجه وأساليبه وحدود العلاقة بين أطرافه التعليمية، حسبما أفاد مدير الجامعة السعودية الإلكترونية الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الموسى، وأصبحت المؤسسات التعليمية التقليدية تستخدم التعليم الإلكتروني جنباً إلى جنب مع التعليم بالحضور ، وانتشر هذا النموذج من التعليم في العالم تحت مسمى "التعليمي المدمج".
وتشير الإحصائيات إلى أن ما يقارب من 71.7% من المؤسسات الجامعية في أمريكا تقدم تعليما بأحد أشكال التعليم الإلكتروني مع التعليم التقليدي، فيما بيّنت الدراسات أن التعلم المدمج آخذ في التوسع في أمريكا وفي جميع أنحاء العالم وهو عبارة عن نمط تعليمي يدعم الأنشطة داخل الصف للطلاب في الفصول الدراسية الفعلية (وجهاً لوجه) في حين أن التعلم عبر الإنترنت يحدث خارج الفصول الدراسية ولا يترتب عليه أيّ حضور فعلي أو افتراضي للطالب على الإطلاق.
وفي دراسة مسحية أجرتها الجمعية الأوروبية حول التعليم الإلكتروني استهدفت 800 مؤسسة جامعية من 47 دولة أوروبية بأوروبا أجابت عنها 249 مؤسسة جامعية منها 241 من دول الاتحاد الأوروبي شملت مؤسسات جامعية متنوعة بين جامعات شاملة ومتخصصة وتقنية ومفتوحة، توصل الباحثون إلى أن جميع المؤسسات المشمولة في عينة الدراسة بدأت بتبني التعليم الإلكتروني، و91% منها تستخدم التعليم المدمج، و82% منها تمنح مقررات إلكترونية.
ولقد فرض الانتشار الواسع للتعليم الإلكتروني عالميا ضرورة مواكبة هذه التطورات على مستوى المملكة العربية السعودية، وكان من الضروري لمنظومة التعليم بالمملكة أن تكون مدركة لكل التطورات المتسارعة في التكنولوجيا التعليمية والاستفادة منها للارتقاء بالمخرجات التعليمية، خصوصا وأن البيئة الإلكترونية في المملكة تدعم بشكل قوي التعليم الإلكتروني بالنظر إلى ترتيب المملكة في نسب تملك الأجهزة الإلكترونية من هواتف ذكية وحواسيب لوحية من قبل مواطنيها.
وقال الدكتور عبدالله الموسى " : إن التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد أو التعليم الذي اختزل في ما يعرف بالانتساب المطور أحد الخيارات التي تبنتها الجامعات الحكومية السعودية لدعم التعليم وإتاحة فرص التعلم للذين لم تسمح لهم ظروفهم بالالتحاق بمقاعد الدراسة كطلاب منتظمين، في ظل الطاقة الاستيعابية المحدودة للجامعات مقابل الطلب المتنامي على التعليم العالي وضرورة الارتقاء بالمجتمع معرفيا.
وبين الموسى أن جامعة الملك عبد العزيز أطلقت أول برنامج انتساب بشكله التقليدي سنة 1396هـ، تلتها : جامعة الملك سعود، جامعة أم القرى، الجامعة الإسلامية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، جامعة الملك فيصل، وتنوعت برامج الانتساب في الجامعات لتشمل إدارة الأعمال، والإدارة العامة، والدراسات الإسلامية، واللغة العربية واللغة الإنجليزية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والتاريخ وسواها وسمحت بتخريج عشرات الآلاف على مدى السنين.
ولفت النظر إلى أن إنشاء الجامعة الإلكترونية عام 1432هـ جاء كمطلب أساسي لمواكبة التطور في مجال التعليم العالي، والارتقاء بمستوى التعليم في المملكة من خلال سياسات واستراتيجيات محكمة تُدخل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العملية التعليمية، وعزز ذلك القول حديث رئيس جامعة ولاية أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية الدكتور مايكل كرو عن استشراف مستقبل التعليم الذي أكد فيه أن الاستثمار الحقيقي في التعليم سيكون في المحتوى التعليمي وتقنية التعليم.
وأفاد الدكتور عبدالله الموسى أن التعليم المدمج سيفيد قطاعات العمل في مشروع "نيوم" حيث أدى اقتصاد المعرفة لزيادة الطلب على مهارات وكفاءات معينة تتلاءم مع الصناعات الإنتاجية للابتكار التقني ومدخلات العمل في القطاعات الاقتصادية من منطلق أنّ ركائز اقتصاد المعرفة تقوم على : التعليم وتنمية الموارد البشرية، البنية التحتية المبنية على تقنيات المعلومات والاتصالات، والابتكار والبحث والتطوير، موضحا أنّ الجامعة لديها القدرات التي تضمن تخريج دفعات من المتخصصين في مجالات سوق العمل باحترافية عالية مثل بقية جامعات المملكة.
وذكر أن التعليم يلعب دوراً مهماً في المحافظة على النمو الاقتصادي والإنتاجي بالاعتماد على الاستثمار في تقنية الاتصالات والمعلومات واستخدامها، مرجعًا ذلك إلى علاقتها المباشرة بعمليات الابتكار للصناعات المسؤولة عن بناء المعرفة، ولأهميتها في تمكين الموظفين في كافة القطاعات الاقتصادية من استخدام التقنيات الرقمية استخداماً فعالاً، وتطوير قدرات الأفراد على إدارة المعرفة ونقلها واستخدامها بشكل مُنْتِج.
وشدّد على أن التعليم الإلكتروني فرصة سانحة لتشجيع تطبيق السياسات العامة لتقنية الاتصالات والمعلومات في الجامعات القادرة على دعم تكيفها التنظيمي مع المتطلبات الرقمية، وتوفير تعليم مستمر للطلاب الذي من شأنه أن يسهم في تطوير مهاراتهم بشكل أفضل لا سيما المهارات المرتبطة بتلبية احتياجات إنتاج اقتصاد المعرفة، مع تلبية احتياجات جيل الألفية (Generation-Y)، واحتياجات سوق العمل، وتنمية المهارات الشخصية.
وتدرّس الجامعة الإلكترونية لمرحلة البكالوريوس تخصصات : المحاسبة، المالية، إدارة الأعمال، التجارة الإلكترونية، تقنية المعلومات، اللغة الإنجليزية والترجمة، القانون، وللماجستير تخصصات: إدارة الأعمال (MBA)، أمن المعلومات، إدارة الرعاية الصحية، وبلغ عدد الخريجين في مرحلة البكالوريوس ( 600 ) طالب وطالبة، والماجستير (210) طلاب وطالبات.