شهد ملتقى الأدب، في ثاني أيام معرض الشارقة الدولي للكتاب بدورته الـ 36 والمقامة في إكسبو الشارقة، ندوة فكرية بعنوان "أصداء" تطرقت إلى أوجه الثقافات الشعبية، التي تعتبر الأساس القويم لأركان الحضارات المتعددة، وتناولت تاريخ عدد من الثقافات التي تدلل في مضامينها على أنها أوجه حضارية متعددة للبلدان وعامل أساسي في صياغة مقوماتها ووجودها.
واستضافت الندوة التي أدارتها عائشة العاجل كلاً من الدكتور عبد الله الوشمي، والدكتور نجم عبد الله كاظم، والأستاذ ماجد أبو شليبي، الذين سلطوا الضوء على إبراز حضارات الشعوب وقدموا استعراضاً واقعياًّ لأثر الثقافات على البعد الحضاري لكل منها.
واستهل الدكتور عبد الله الوشمي حديثه بالقول: "إن العلاقة بين الحضارة والثقافة علاقة اعتمادية وتكامليّة فكل منها يؤدي إلى وجود الآخر، ورغم هذه العلاقة إلا أن كل واحدة تختلف عن الأخرى، إذ تنمو الثقافة مع نمو المجتمعات وتطورها، فلكل مجتمع ثقافته التي تعكس شخصيته وهويته، لذلك باتت التنمية الثقافية في وقتنا الحاضر تحظى باهتمام كبير، فالثقافة هي أساس التقدّم والازدهار وثمرة الجهود التي كوّنت الحضارات البشريّة المتعاقبة.
وأوضح الوشمي أن الحضارة تمثّل القضايا المرتبطة بالاستقرار المادي والمعنوي، بحيث تتضمن كلاً من الأنظمة الفكرية والاجتماعية والثقافية وغيرها، ويتمّ تناقلها بين الأجيال، مشيراً إلى تباين الحضارات البشرية التي ظهرت منذ القدم وحتى وقتنا الحاضر، جاء نتيجة للخصوصيّة النابعة من الأديان، والمعتقدات، والتقاليد، والتوجهات، والنظم لكل حضارة، وعلى الرغم من ذلك تميّزت هذه الحضارات بعلاقات تفاعلية، استفادت من إنجازات وإبداعات الأخرى، وبنت عليها وطورتها في تشكيل حضارتها الخاصة، ما جعل الحضارة الإنسانيّ ليست حكراً على أمة بعينها.
من جانبه أكد د. نجم عبد الله كاظم أن الحضارة تمتاز بالعديد من المظاهر الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والديني، والفكرية، لافتاً إلى أن تفاعلها يتخذ جانبين هما الحوار الإيجابي والبناء، وهذا يؤدي إلى النفع والتطور، والصراع والتنازع، وهذا يؤثر سلباً على البشرية.
وتطرق كاظم إلى الفرق بين مفهومي الثقافة والحضارة، حيث يرى أن الثقافة التي تشكل ركناً من أركان الحضارة تنتمي إلى الإنسان وإنجازاته، أما الحضارة فهي تنتمي إلى المجتمع وتطوره كما أن الثقافة تتغير وتتطور، أما الحضارة فهي ثابتة وتخص المكان الذي نشأت فيه.
من جانبه وضع د. ماجد بو شليبي الشارقة نموذجاً على التقاء وتنوع الثقافات، إذ يمثل التنوع الثقافي معياراً كبيراً في مقياس الحضارة، مشيراً إلى أن الشارقة أسست على تجربة يمثل التنوّع جزءًا كبيراً منها، مرجعاً ذلك إلى عوامل كثيرة، كالموقع الجغرافي المطل على المحيط الهندي، بالإضافة إلى وجودها على طريقي اللبان والحرير، وكونها محط طريق الكثير من القوافل، الأمر الذي أوجد تنوعاً حضارياً وثقافياً جاء كذلك نتيجة للتجارة، وانتقال أيدي عاملة وحرفين إليها، بالإضافة إلى الاستيراد الذي جلب معه ثقافة البلدان الموردة.
ووصف مفهوم الثقافة بأنه المفهوم الأعمّ والأشمل، إذ أن الحضارة بحسب شليبي تقتصر على شعوب لديها تطوّر وتقدّم، أمّا الثقافة فهي موجودة في كل الشعوب، كما أن الحضارة تشتمل على الإنجازات الماديّة والعمليّة التي تنتجها المجتمعات، أمّا الثقافة فتشتمل على جوانب الحياة كافة ومتواجدة في كل المجتمعات رغم اختلافها.
وأكمل بو شليبي بأن الثقافة يقوم بإنتاجها والتطوير عليها فرد واحد من بين أفراد المجتمع عامةً، بينما الحضارة يطوّر عليها المجتمع ككل بجميع أفراده.
واختتمت الندوة باتفاق المشاركين على أن الثقافة هي الركن الأساس في التكوين الحضاري للأمم، وتعكس بوضوح ملامح الوجوه المتعدد للبلدان، وتسهم كذلك في صياغتها.