كشفت أبوظبي اليوم عن أضخم مشروع لتخزين المياه المحلاة ذات الجودة العالية والمضمونة في العالم الذي يضم شبكة من 315 بئراً وتصل أعماقه إلى 80 متراً ممتدة تحت رمال صحراء ليوا مزوّدةً بمضخات لاسترجاع المياه، يغذّيه أحد أطول خطوط الأنابيب في دولة الإمارات العربية المتحدة من محطة الشويهات لتحلية المياه بمعدل 7 مليون جالون (حوالي 32,000 متر مكعب) يومياً لأكثر من 27 شهراً.
يقوم هذا المشروع الضخم في مجال تخزين المياه الاستراتيجي، الذي بدأت فكرته في العام 2002 مع دراسات مكثفة نفذتها هيئة البيئة – أبوظبي، على مبدأ حقن مياه عذبة في أحواض شحن فوق الخزانات الجوفية الطبيعية. والمشروع هو ثمرة للتعاون بين هيئة البيئة – أبوظبي، التي اضطلعت بمسؤوليات إجراء الدراسات العلمية ودراسات الجدوى والتخطيط الاستراتيجي ووضع سيناريوهات المخاطر وكيفية إدارتها، وهيئة مياه وكهرباء أبوظبي وشركة أبوظبي للنقل والتحكم "ترانسكو" التابعة لها التي أشرفت وقامت على عمليات تنفيذ المشروع بما فيها أعمال البنية الأساسية السطحية كخطوط الأنابيب ومحطات الرفع والخزانات.
وألقى سعادة الدكتور سيف صالح الصيعري مدير عام هيئة مياه وكهرباء أبوظبي بالإنابة كلمة بهذه المناسبة تقدم بها بالشكر الجزيل إلى مقام صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، وسمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في منطقة الظفرة على دعمهم ورعايتهم المستمرة لقطاع الماء والكهرباء في الإمارة لمواكبة النهضة الحضارية والعمرانية التي تشهدها الدولة، وتعزيز مسيرة التنمية التي تسهم فيها الهيئة ومجموعة شركاتها من خلال مشاريع البنية التحتية للماء والكهرباء على مستوى الدولة، موضحا أن استكمال هذا المشروع يأتي بالتزامن مع الاحتفال بعام زايد 2018، ثمرةً لجهود المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله، وتحقيقا لرؤيته الثاقبة تجاه مستقبل المنطقة، والدعوة إلى حفظ الموارد وتأمين وصولها للأجيال القادمة.
كما أعرب الصيعري عن تقديره لفريق العمل من موظفي هيئة البيئة - أبوظبي وشركة ترانسكو على جهودهم العظيمة طوال سنوات تنفيذ المشروع وتحملهم أقسى الظروف المناخية لإنجاح هذا المشروع الاستراتيجي لأهميته في تعزيز مسيرة التنمية التي تشهدها الدولة، مشيرا إلى إنَّ هذا المشروع الحيوي من شأنه تمكين إمارة أبوظبي من احتلال المرتبة الأولى عربيا والثالثة عالميا من حيث كمية التخزين، والمرتبة الأولى عالميا من حيث عدد الآبار الجوفية، والمرتبة الأولى عربيا والثانية عالميا من حيث سرعة استرداد المياه، كما يسهم هذا المشروع في زيادة ثقة المستثمرين بالقطاعات المختلفة في الإمارة.
وأكدت سعادة رزان خليفة المبارك، الأمين العام لهيئة البيئة – أبوظبي: "يشهد مشروع التخزين الاستراتيجي للمياه العذبة في ليوا" على التزام إمارة أبوظبي بالمعرفة العلمية الحديثة ورؤية أبوظبي المستقبلية الرامية إلى تحقيق نهج متوازن بين التنمية والمحافظة على الموارد الطبيعية الذي أسس له وكرّسه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وهو جزء لا يتجزأ من إرثه الكبير الذي يستمر ويتنامى بفضل ورؤية رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ودعمهما المستمر لدفعنا للمضي قدماً، وتوجيهات سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في منطقة الظفرة رئيس مجلس إدارة الهيئة، وتضيف: "ويتجسد هذا التأييد وتلك الرؤية السديدة في مشروع التخزين الاستراتيجي للمياه في ليوا الذي أصبح يمثّل معياراً عالمياً لإدارة المياه في المناطق الصحراوية وينطوي على إمكانية كبيرة لإعادة تعريف المعايير الدولية المتّبعة في المجال“.
وأشارت سعادتها إلى أن هذا المشروع الرائد يجسد أهمية تضافر الجهود بين الجهات الحكومية المعنية وقيم التعاون القائم على ركائز بيئية استدعت ضرورات اقتصادية مستدامة".
تكمن أهمية المشروع في كونه يعزز الأمن المائي ومرونته في إمارة أبوظبي من خلال حقن آبار المياه الجوفية بمياه التحلية عالية الجودة والتي لا يمكن تخزينها فوق سطح الأرض بسبب عوامل التلوث والظروف الأخرى. ويتم نقل المياه المحلاة من محطات التحلية عبر شبكة أنابيب ليتم حقنها في نظام خزانات جوفية آمنة أنجزها فريق يضم خبرات متعددة الجنسيات من مختلف التخصصات من هيئة البيئة – أبوظبي، وهيئة مياه وكهرباء أبوظبي، وترانسكو، ومكتب التنظيم والرقابة بأبوظبي؛ الجهة المستقلة لتنظيم قطاع الماء ومياه الصرف الصحي والكهرباء في إمارة أبوظبي، وشركة GIZ العالمية، وDo. Rainer الاستشارية، و ACC-POSCO JV.
وتم إنجاز مشروع التخزين الاستراتيجي للمياه العذبة في ليوا بتكلفة تقدر بـ 1,61 مليار درهم أي ما يعادل 435,616,000 دولار أمريكي في إحدى أكثر المناطق جفافاً في العالم؛ إذ لا تتجاوز هطولات الأمطار السنوية فيها 10 سم لضخ 100 مليون جالون من احتياطيات المياه العذبة يومياً عند الحاجة إليها. ويتم ترشيح مياه التحلية لحقنها فوق طبقة المياه الجوفية في الأحواض عبر نظام أنابيب مثقّبة ممدودة تحت الأرض وذلك بفعل الجاذبية كقوة دافعة.
يوفر المشروع إمدادات المياه المستمرة للعاصمة أبوظبي ومنطقة الظفرة ويضمن تلبية احتياجات الأجيال القادمة من هذا المورد الحيوي. وعند الحاجة يمكن استعادة المياه من 315 بئراً تصل أعماقها إلى 80 متراً تحت سطح الأرض لتلبية احتياجات أغراض الاستخدام المختلفة في أي وقت.
"يمثل هذا المخزون احتياطياً آمناً لتوفير المياه، وهو مثال يحتذى على مستوى المنطقة ودليل جليّ على التخطيط الدقيق والرؤية المستقبلية لحكومة أبوظبي" بحسب سعادة الدكتور سيف الصيعري مدير عام هيئة مياه وكهرباء أبوظبي بالإنابة.
يضم حوض التخزين حالياً أكثر من 26 مليون متر مكعب من المياه أي ما يعادل 5,6 مليار جالون ما يمكن له أن يدعم إمدادات مياه الشرب عند الحاجة. في هذا السياق تقول سعادة رزان خليفة المبارك: "تتعزز رفاهية مجتمعاتنا على المدى الطويل من خلال المحافظة على موارد المياه الجوفية وتنميتها مع إدراك الحاجة إلى تطوير المزيد من مشاريع الحقن والاسترجاع لتوفير المياه بمرونة يمكننا معها تلبية احتياجات مختلف القطاعات. “
لقد تم إيلاء اهتمام كبير لاستخدام مواد صديقة للبيئة حسب أعلى المواصفات الهندسية والملائمة للمنطقة في كافة مراحل إنشاء وتنفيذ المشروع. تم عزل حوض التسرّب بمواد وقائية بما فيها مزيج من الحصى وبعض المواد المختارة الأخرى، وتتميز تلك الحصى بمسامها الكبيرة التي تمكّنها من توزيع المياه بالتساوي وضمان ترشيحه بصورة أفضل.
يتكوّن خط الأنابيب الذي يبلغ طوله 160 كيلومتراً وينطلق من موقع احتياطي المياه الاستراتيجي لشبكة توزيع مدينة زايد في مدينة أبوظبي من حوالي 9000 أنبوب يبلغ قطر أكبرها 1,2 متر، ويصل طول بعضها إلى 18 متراً. نُقلت أجزاء خط الأنابيب إلى الصحراء وجُمّعت باستخدام تقنية اللحام عالية الدقة بحيث استغرق إنجاز لحام كل قسم خمس ساعات متواصلة مع تطبيق مراقبة صارمة ومتابعة وفحص دقيق للتأكد من جودة مناطق اللحام وعدم تسريبها للمياه باستخدام تقنية التصوير بالأشعة السينية، وبعد زرعها تحت الرمال تُجرى عليها تجارب لفحص قدرتها على تحمل الضغط العالي للمياه التي تتدفق داخلها على مدى السنوات الـ 50 المقبلة على الأقل.
ولتفادي تلوث المياه الجوفية الذي قد ينجم عن نشاط الحيوانات الكبيرة التي تعيش وتتجول في تلك المنطقة كالجمال جاء الحل من البيئة حيث تم تسييج حرم الحوض بسياج ثلاثي من سعف النخيل لإنشاء منطقة عازلة لحماية المياه الجوفية، بينما تشغّل معدات الرصد والمراقبة باستخدام ألواح الطاقة الشمسية.
يأتي استخدام الفائض من المياه المحلاة لحقنها في المخزون الاستراتيجي لمواجهة التحديات الناجمة عن الاعتماد الكلي على محطات التحلية، ويوضح سعادة الدكتور الصيعري: "قد يتوقف عمل محطات التحلية بسبب العواصف أو الأعطال الفنية التي قد تطرأ عليها أو ظاهرة المد الأحمر التي تفاقمت بسبب التغيرات المناخية وتؤثر سلباً على جودة المياه والبيئة وبالتالي على الاقتصاد المحلي. من هنا ظهرت الحاجة الملحّة لامتلاك مخزون استراتيجي من المياه وإيجاد بديل بحيث لا يتأثر القطاع السكاني أو الصناعي أو التجاري في حال توقفت محطة تحلية او أكثر عن العمل. لقد أدركت حكومة أبوظبي ضرورة امتلاك مخزون يغطي احتياجات الإمارة من المياه ويمكّنها من التخفيف من المخاطر الناجمة عن التغيرات المناخية سواء كان ذلك في المستقبل القريب أو البعيد، واستثمرت في إيجاد الحلول“.
وقع الاختيار على صحراء ليوا التي توفرت فيها المواصفات والمعايير الصارمة المطلوبة بما فيها ميول المياه الموجودة (التدرج الهيدرولوجي) في حوضها الجوفي الذي يتم فيه التخزين ضعيفة بحيث لا يسمح يتسرّب المياه، والسُّمك المشبع للحوض يتلاءم مع حجم التخزين الكبير، ووقوعه في منطقة آمنة بعيدة عن أي أنشطة بشرية تؤدي إلى تلوث المخزون، فضلاً عن النوعية الجيدة للمياه الموجودة في الخزان بما يتيح إجراء عمليات الحقن فوقها.
ويوضح الصيعري: "قررنا إعادة شحن خزانات المياه الجوفية المستنفذة باستخدام فائض المياه المحلاة، ولقد أثبتت النتائج أن خزن المياه بهذه الطريقة ناجع وينطوي على مستوى عال من الكفاءة بأقل التكاليف، فهو لا يتطلب بناء وصيانة خزانات مياه، ولا يحتاج إلى الطاقة لعمليات الحقن، بل يعتمد فقط على إعادة الحقن لتجديد واستعادة المياه الجوفية التي كانت موجودة في السابق“.
ولضمان جودة المياه بشكل دائم تطبق إجراءات مراقبة صارمة حيث تم تجهيز الآبار بمعدات لقياس جودة المياه وحرارتها وملوحتها بالإضافة إلى عدة مقاييس أخرى. ويوضح الصيعري: "إن تشغيل هذه العدد الضخم من الآبار في وقت واحد هو عملية معقدة، والتواصل وتبادل المعلومات بين أعضاء الفريق من مهندسين وفنيين وعمال، ووصل كل هذه البيانات بشبكة رئيسية أمر بالغ الأهمية لضمان نجاح كل مرحلة من مراحل المشروع وذلك عبر تحقيق التنسيق بين جميع أجزائه ومراقبة كافة الأعمال التي تجري في وقت واحد. وهذا ما يحدث في مركز التحكم من خلال منظومة إلكترونية متطورة تمكّن الفنيين من التحكّم أوتوماتيكياً بالمضخات والآبار والصمامات وجودة المياه المطابقة مع معايير مكتب التنظيم والرقابة بأبوظبي، وهذا يساعد على تشغيل 20 بئراً على الأقل يومياً“.
عقب توقيع مذكرة تفاهم بين هيئة البيئة – أبوظبي ممثّلة بسعادة رزان خليفة المبارك الأمين العام لهيئة البيئة – أبوظبي، وشركة ترانسكو ممثّلة بسعادة محمد بن عمير الشامسي، رئيس مجلس إدارة ترانسكو وذلك خلال فعاليات القمة العالمية للمياه التي تنعقد تحت مظلة أسبوع أبوظبي للاستدامة تم الاتفاق على تولّي شركة ترانسكو إدارة مشروع التخزين الاستراتيجي للمياه العذبة في ليوا وصيانته بينما تقدم هيئة البيئة – أبوظبي الدعم العلمي له. وقد أعطت ترانسكو الأولوية لكوادر من المواطنين ليقوموا على مناصب هامة في المشروع في إطار تطوير مهاراتهم العملية: وقال سعادة محمد بن عمير الشامسي "كان لاحتكاكهم بالمشروع دوراً في تعزيز خبراتهم وتطويرها وعزز فخرهم الوطني وفهمهم لقيمة المشروع، وساهموا بإثرائه في سبيل تحقيق أهدافه“.
ترى هيئة البيئة – أبوظبي في المشروع تجسيداً واقعياً للرؤية السديدة في التعامل الحكيم مع القضايا الملحة، وقد عبرت سعادة المبارك عن هذا بالقول: "كان تخزين احتياطات ضخمة من المياه العذبة في الصحراء حلماً للأجيال السابقة، إلا أن الرؤية المستقبلية المبتكرة لدولة الإمارات التي توازن بين الاستثمار الحكيم في أحدث التقنيات واستقطاب خيرة الخبرات العالمية والنهج المبني على مبادئ الاستدامة وعلوم البيئة جعلت من الحلم حقيقة"، وتضيف: "كما يحتفل عام زايد بإنجازات الأب المؤسس، فإننا نتمسك بإرثه ونسير معاً على خطاه. ومن خلال اتباعنا نهجاً متماسكاً مبنياً على مبادئ العمل المشترك وقيم التكامل والتعاون تمكّنا من إحداث تغيير حقيقي على مستوى إدارة مواردنا المائية يصب في إطار جهودنا الرامية إلى حماية بيئتنا وأصولنا الطبيعية وتعزيز ازدهارنا الاقتصادي“.