تتوقع الشركة العربية للاستثمارات البترولية (ابيكورب) أن تحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في السنوات الخمس المقبلة إلى ضخّ استثمارات بقيمة 209 مليار دولار في قطاع توليد الكهرباء، وذلك وفقاً لتقريرها الأحدث بعنوان "التوقعات السنوية لاستثمارات الطاقة الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2019"، والذي يقدم تقديرات لكلّ من الاستثمارات المقررة والمخطط لها خلال الفترة الممتدة من 2019 إلى 2023.
ووفقاً لتقديرات ابيكورب، قد يصل حجم الاستثمارات في قطاع الطاقة عموماً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين عامي 2019 و2023 إلى تريليون دولار أمريكي. ويشير التقرير إلى أن قطاع توليد الطاقة الكهربائية يستحوذ على الحصة الأكبر من هذه الاستثمارات وبنسبة 36٪، وذلك نتيجة تنامي الطلب على الطاقة الكهربائية والزخم المتزايد في مجال الطاقة المتجددة.
وفي تعليقها على التقرير، قالت الدكتورة ليلى بنعلي، كبير الخبراء الاقتصاديين في ابيكورب: "لاحظنا أن نسبة كبيرة من متطلبات التمويل في قطاع الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستكون من نصيب قطاع توليد الطاقة الكهربائية، والذي تستحوذ مصادر الطاقة المتجددة على حصة كبيرة منه تبلغ نحو 34٪."
وأضافت بنعلي: "من المتوقع أيضاً أن تحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى زيادة قدرات توليد الطاقة الكهربائية بمعدل 4٪ سنوياً بين عامي 2019 و2023، أي ما يعادل 88 جيجاواط بحلول عام 2023، لتلبية ارتفاع حجم الاستهلاك والطلب المتنامي خلال هذه الفترة. ولا يزال تمويل هذه المشاريع عالية المديونية في المنطقة مبنياً على هيكل حق عدم الرجوع أو حق رجوع محدود، مع نسب الدين إلى حقوق الملكية في نطاق 60:40 إلى 80:20، وربما 85:15 للمشاريع ذات المخاطر المنخفضة المدعومة بضمان دفع حكومي."
إضافة 88 جيجاواط جديدة إلى قدرات توليد الطاقة الكهربائية الحالية في الفترة من 2019 إلى 2023
ووفقاً لابيكورب، يواصل قطاع توليد الطاقة الكهربائية التطور في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مدفوعاً بحاجة الدول إلى تلبية نمو الطلب والسعي لتنويع الاقتصادات وتعزيز كفاءة الاستهلاك. وبالتالي، ستحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى إضافة 88 جيجاواط كقدرة توليدية جديدة بحلول نهاية عام 2023. وقد قامت الحكومات بالفعل بتسريع وتيرة خططها الاستثمارية في هذا المجال، فبحسب تقديرات ابيكورب، يجري العمل حالياً على بناء محطات توليد طاقة كهربائية بقدرة 87 جيجاواط. ومن المتوقع أن تقود هذه الجهود إلى استثمارات بقيمة 142 مليار دولار في مجال توليد الطاقة الكهربائية، ونحو 68 مليار دولار في نقلها وتوزيعها.
مشاركة القطاع الخاص في التمويل يعتمد على إصلاحات قطاع الطاقة والضمانات الحكومية
على الرغم من استمرار مشاركة الحكومات في مختلف مراحل مشاريع الطاقة الكهربائية حتى في ظل شراكات القطاعين العام والخاص، يعتبر دور القطاع الخاص بالغ الأهمية لإدارة المخاطر نظراً لما يمتاز به من حيث الأداء والتكنولوجيا وفعالية التكلفة في التمويل.
وحول أهمية هذا الدور، قال مصطفى أنصاري، كبير المحللين الاقتصاديين في ابيكورب: "تعد زيادة المشاركة وحجم التمويل المقدم من القطاع الخاص أمراً ضرورياً لنمو مختلف مجالات قطاع الطاقة، حيث تضمن المسؤولية التمويلية المشتركة الأكثر توازناً توفير إمدادات موثوقة من الطاقة الكهربائية بأسعار تنافسية. ويوفر قطاع الطاقة فرصاً كبيرة في مجال التمويل للقطاع الخاص على المدى الطويل."
وتتوقع ابيكورب أن تواصل الحكومات والسلطات المركزية مشاركتها بشكل خاص في مجال التوليد المركزي ونقل الطاقة الكهربائية، كما أشارت إلى بعض المحاولات الجريئة للقطاع الخاص في مجال الطاقة الكهربائية الموزعة، والتي تمثلت في تجميع مواقع أو مجموعات التوليد وتأجيرها.
تباطؤ نمو الطلب على الطاقة الكهربائية على المدى المتوسط سيؤدي إلى فائض في محطات توليدها
خلال الفترة بين عامي 2007 و2017، زاد استهلاك الطاقة الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 5.6٪، مدفوعاً بالنمو الاقتصادي السريع وازدهار القطاع الصناعي وارتفاع مستويات الدخل وزيادة معدلات النمو السكاني والحضري، فضلاً عن أسعار منخفضة للطاقة الكهربائية.
وخارج دول مجلس التعاون الخليجي، تكافح الدول الأخرى في المنطقة لمواكبة الطلب المتنامي. وفي كلتا الحالتين كان مسار نمو الطلب يشير إلى أن النموذج العام الذي تنتهجه الحكومات هو نموذج غير مستدام، وأنه أدى - في بعض الحالات – إلى شبكات للطاقة الكهربائية دون المستوى الأمثل.
وعلى نفس القدر من الأهمية تأتي الجهود الرامية إلى تعزيز كفاءة الطاقة وتشجيع السكان على اتباع أنماط استهلاك أكثر ذكاءً ومسؤولية، مع معالجة العقبات الهيكلية والتنظيمية. وبالتالي تتوقع ابيكورب تباطؤ نمو الطلب على الطاقة الكهربائية إلى نحو 3.8٪ مقارنة بمعدل النمو السنوي المركب خلال السنوات الخمس المقبلة.
الطاقة المتجددة ستستأثر بـ 34٪ من استثمارات توليد الطاقة الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
تتوقع ابيكورب استثمار ما يقارب 350 مليار دولار أمريكي في مجال توليد الطاقة الكهربائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال السنوات الخمس المقبلة، تستأثر مشاريع الطاقة المتجددة على 34٪ من هذه الاستثمارات، أو 12٪ من إجمالي الاستثمارات في قطاع الطاقة عموماً. وقد اكتسبت مشاريع تطوير مرافق الطاقة المتجددة في العالم العربي زخماً هائلاً في السنوات القليلة الماضية لسببين رئيسين، هما إدراك الحكومات للحاجة الملحة لمعالجة الطلب المتزايد على الطاقة وانخفاض تكلفة حلول الطاقة الشمسية الكهروضوئية.
وتابعت بنعلي: "من المنظور التجاري، تتصدر كل من الأردن والمغرب حتى الآن جهود المنطقة بمبادراتهما في مجال الطاقة المتجددة. وتعتبر حصة الطاقة المتجددة التي تستهدفها المغرب من إجمالي الكهرباء المولّدة هدفاً طموحاً، حيث يُنتظر أن تبلغ 42٪ بحلول عام 2020. ومع ذلك، في جميع أرجاء المنطقة، لم يتم بعد رصد إشارات السياسات أو تغييرات في نماذج الأعمال أو دعم الاستثمار/الائتمان الذي تتطلبه شبكات توليد الطاقة الكهربائية وتخزينها، لترافق دخول الطاقة المتجددة."
يجري حالياً بناء محطات توليد طاقة كهربائية بقدرة تصل إلى 87 جيجاواط، وتقود هذه الجهود الإمارات (19٪)، تليها السعودية (17٪)، ثم مصر (16٪)
وفقاً لتقرير ابيكورب، فإن لدى المملكة العربية السعودية خططاً طموحة لتنويع مزيج توليد الطاقة الكهربائية لديها عبر زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية. وعلى الرغم من تباطؤ الطلب، إذ من المتوقع استمرار الزيادة في رفع قدرات توليد الطاقة الكهربائية، حتى في ظل البدء في إعادة تنظيم القطاع بالمملكة. وأشار التقرير إلى أن العوامل الأكثر تأثيراً في تباطؤ الطلب المحلي على الطاقة الكهربائية في المملكة مدفوعة بالسياسات.
ومن جهة أخرى، تحتاج دولة الإمارات العربية المتحدة إلى استثمار ما لا يقل عن 16.2 مليار دولار أمريكي لتلبية القدرات توليد الطاقة الكهربائية الإضافية اللازمة المتوقعة على المدى المتوسط والبالغة 8 جيجاواط. وتسعى الإمارات بقوة إلى تنويع مصادر الطاقة ضمن مزيج توليد الطاقة الكهربائية لديها. وبحسب تقديرات ابيكورب، تقوم الإمارات حالياً ببناء محطات توليد طاقة كهربائية لإضافة قدرات تصل إلى 14 جيجاواط.
أما في مصر، زاد الطلب على الطاقة الكهربائية بمعدل نمو سنوي مركب بلغ 4.6٪ في الفترة بين عامي 2015 و2017، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 5.1٪ بحلول عام 2023. وتتوقع ابيكورب أن تكون مصر بحاجة إلى استثمار 20 مليار دولار في مجال توليد الطاقة الكهربائية بالإضافة إلى 10 مليار دولار أخرى في مجال نقلها وتوزيعها، ما من شأنه أن يسهم في زيادة قدرات توليد الطاقة الكهربائية في أكبر دولة من حيث عدد السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 63 جيجاواط بحلول عام 2023.
وبالنظر إلى العراق، لا تزال هناك فجوة بين نمو الطلب وقدرات توليد الطاقة الكهربائية الحالية، كما لا تزال الدولة تواجه حالات انقطاع التيار الكهربائي، وبالتالي فإن توفير طاقة كهربائية يمكن الاعتماد عليها أمر يقع في صميم خطط الحكومة. وتتوقع ابيكورب أن تحتاج العراق إلى استثمار 21 مليار دولار أمريكي على مدى السنوات الخمس المقبلة لزيادة قدرات توليد الطاقة الكهربائية في البلاد إلى 30 جيجاواط.