في أعقاب تفشي وباء "كوفيد-19" الذي يواصل إحكام قبضته على مختلف مفاصل الحياة حول العالم، نجحت المملكة العربية السعودية في عدم تسجيل أية إصابات بالوباء في ختام موسم الحج المحدود لعام 2020 نظراً لتطبيقها لأرقى معايير الصحة والسلامة في ظل الظروف الاستثنائية.
وتقديراً لهذه الجهود المتميزة، حظيت المملكة العربية السعودية بالثناء والإشادة من مختلف الهيئات الصحية والقيادات من شتى أرجاء العالم نظير نجاحها في تنظيم واحد من أكبر التجمعات الدينية حول العالم.
وتوجهت العديد من الشخصيات والجهات مثل "رابطة العالم الإسلامي" والدكتور تيدروس أدهانوم جبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، بالتهنئة للمملكة تقديراً لنجاحها في تنظيم موسم الحج هذا العام بسلامة تامة. وقال الدكتور جبريسوس: "يجسد النجاح منقطع النظير الذي حققته المملكة في تنظيم موسم الحج بسلامة وأمان دليلاً قوياً على الإجراءات التي يجدر بدول العالم الاقتداء بها للتأقلم مع الواقع الجديد".
ومن أبرز الجهود التي بذلتها الحكومة على صعيد تطبيق الإجراءات الاحترازية الصارمة، تقنية مراقبة وضبط والحشود التي تم تطويرها بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، حيث شملت تقنية مراقبة ورصد الصحة عبر التطبيقات الرقمية.
ويعتبر موسم الحج أحد أكبر التجمعات لأداء الشعائر الدينية في العالم ويشهد توافد أكثر من مليوني حاج إلى مدينة مكة المكرمة، ويصادف عقب مرور 70 يوماً على نهاية شهر رمضان المبارك وتحديداً في شهر ذو الحجة.
ونتيجة لوباء فيروس كورونا المستجد هذا العام، وللمرة الأولى في التاريخ الحديث ، لم يتنسى لملايين المسلمين حول العالم هذا العام فرصة زيارة مدينة مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء فريضة الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام.
وجاء موسم الحج هذا العام وسط ظروف غير مسبوقة، فقد تم تحديد تصاريح الحج بعدة آلاف حاج من داخل المملكة. ورغم خيبة الأمل التي ربما أصابت ملايين المسلمين حول العالم، لكن الإجراء الذي اتخذته الهيئات المعنية في المملكة كان ضرورياً لضمان السلامة والصحة العالمية.
فقد توجب على الراغبين بأداء فريضة الحج ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و65عاماً وغير مصابين بأمراض مزمنة التقدم بطلب الحصول على التصريح عبر الإنترنت. وتم اختيار الحجاج عشوائياً من قاعدة بيانات إلكترونية، حيث تعين على المقبولين الخضوع للحجر الصحي قبل الحج وإجراء فحوصات تفاعل البوليمراز المتسلسل للحصول على نتيجتين سلبيتين.
وتضمنت قائمة الحجاج الحاصلين على التراخيص لأداء فريضة الحج لهذا العام، 70% من الوافدين غير المصابين بأمراض مزمنة من المقيمين على أرض المملكة، و30% من أبناء المملكة العاملين في قطاع الرعاية الصحية ومنسوبي الجيش والقوات الأمنية المتعافين من "كوفيد-19" وانطبقت عليهم الشروط الصحية المحددة.
إجراءات احترازية وتدابير صارمة في كل مرحلة
تعيّن على الحجاج هذا العام الخضوع للفحوصات الصحية واختبارات تفاعل البوليمراز المتسلسل، ثم تطبيق حجر منزلي لمدة سبعة أيام. وبعد نقلهم إلى مدينة مكة المكرمة، خضع الحجاج لحجر صحي مدته ثلاثة أيام إضافية، أعقبها فحص ثانٍ لتفاعل البوليمراز المتسلسل، حيث تم السماح فقط للحجاج الذين جاءت نتائجهم سلبية بالتوجه لأداء فريضة الحج.
وبعد اختتام شعائر الحج، تعيّن على الحجّاج أيضاً حجر أنفسهم لمدة 14 يوماً، وقد أثمرت هذه الإجراءات الصارمة عن تحقيق صفر إصابات بمرض "كوفيد-19" بعد موسم الحج لعام 2020.
ومن الإجراءات الاحترازية الأخرى، ارتداء الحجاج لسوار إلكتروني في منازلهم قبل الانطلاق في رحلتهم لأداء فريضة الحج ووصولهم إلى مدينة مكة المكرمة. فقد قام كل واحد من الحجاج بارتداء سوار إلكتروني مصمم لمراقبة وتسجيل وضعهم الصحي وتتبع الحجر الصحي الذاتي للحجاج بعد عودتهم إلى وطنهم عبر تطبيق "تطمن".
وساهم التطبيق بدور محوري في تعزيز مسؤولية الحجاج الذين تم توجيههم بعزل أنفسهم ومتابعة أوضاعهم الصحية عن كثب، كما ساهم في تسهيل الحصول على الخدمات الصحية الأخرى ذات الصلة مثل حجز المواعيد لفحوصات تفاعل البوليمراز المتسلسل.
وعلاوة على ذلك، تم اتخاذ مجموعة أخرى من الإجراءات الجديدة والمعدلة خلال أداء شعائر الحج ضماناً للإبقاء على مسافة أمان قدرها 1.5 متر بين الحجاج أثناء الطواف حول الكعبة المشرفة وأداء الصلاة وغيرها من الشعائر الدينية.
وتم السماح بأداء صلاة الجماعة ضمن شروط معينة تضمنت ارتداء الكمامات القماشية وتعديل صفوف الصلاة عبر تطبيق مسافة الأمان بين المصلين. كما تم السماح للحجاج بالتحرك فقط ضمن مجموعات محددة بعشرين 20 شخصاً، يترأس كل منها خبير صحي.
وقد كان للخبراء الصحيين دور محوري في متابعة الصحة العامة بنجاح خلال موسم الحج، حيث تولى كل واحد منهم مسؤولية إجراء الفحوصات الصحية مرتين يومياً لأفراد المجموعة المسؤول عنها.
وفي إطار الإجراءات المعززة لضمان الصحة والسلامة، تم حظر لمس وتقبيل الكعبة المشرفة والحجر الأسود في المسجد الحرام بمكة المكرمة. وجرى أيضاً تكثيف عمليات التنظيف والتعقيم في المدينتين المقدستين بانتظام، وامتثل جميع مزودي الخدمات والعمال باللوائح والبروتوكولات التي وضعتها وزارة الصحة السعودية.
وتضمنت قائمة الإجراءات والبروتوكولات المفصلة التي وضعتها الحكومة قبل أسابيع من بدء موسم الحج، وضع لافتات توضح المبادئ التوجيهية التوعوية للجمهور؛ وإعداد سجل لعمليات التعقيم والتنظيف في الأماكن المقدسة والمرافق العامة؛ وتوفير أجهزة التنفس الاصطناعي؛ وإدارة النفايات؛ والاستخدام العام للأجهزة التفاعلية؛ والضيافة؛ وخدمات الطعام والشراب؛ وخدمات النقل وتنظيم الحشود من وإلى وداخل المواقع المقدسة في المسجد الحرام وجبل عرفة ومزدلفة.
توفير التقنيات المتطورة لضمان الجاهزية
بالاستفادة من تجربتها الناجحة في مواجهة "فيروس كورونا المرتبط بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية" (ميرس-كوف) الذي يشبه فيروس كورونا ويتمتع بطبيعة مستوطنة، سارعت المملكة إلى تعليق دخول الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في 26 فبراير 2020 كإجراء وقائي مبكر حفاظاً على السلامة العالمية. وجاء ذلك قبل تسجيل أية إصابة بوباء "كوفيد-19" في المملكة بأسابيع، وقبل بدء منظمة الصحة العالمية بتقييم مرض "كوفيد-19" لإعلانه وباء عالمياً. وساهم فرض هذه القيود على السفر في مرحلة مبكرة بدور كبير في منع انتشار الفيروس المستجد ليس فقط في المملكة العربية السعودية، وإنما في جميع أنحاء العالم.
وقامت المملكة العربية السعودية منذ عامين بإطلاق المرحلة الأولى من نظام الإنذار المبكر لإطلاق التنبيهات حيال المخاطر المحتملة على الصحة العامة، وطبقته أيضاً خلال موسم الحج إلى جانب أداة رقمية أخرى تم تصميمها لتوفير التقييمات الاستراتيجية لمخاطر الصحة العامة في تجمعات الحشود الكبيرة. كما قام المركز الوطني للقيادة والتحكم بمتابعة مدى توفر الخدمات الصحية ومعدلات استخدامها خلال مواسم الحج المتعاقبة لإتاحة اتخاذ القرارات الفورية والتخطيط المستقبلي القائم على الأدلة.
وقام "المركز العالمي لطب الحشود" التابع لوزارة الصحة السعودية، وهو عبارة عن مركز تعاوني مع "منظمة الصحة العالمية"، باستخدام أدواته التي تشمل أداة "سالم" للفعاليات وأداة "جدّة" للحشود الكبيرة، بغرض تقييم المخاطر الصحية لتجمعات الحشود الكبيرة. ويوجّه المركز تركيزه على تطوير السياسات والاستراتيجيات القائمة على الدلائل والمدعمة بالبحوث العلمية لإدارة تجمعات الحشود الكبيرة.