أصدرت الشركة العربية للاستثمارات البترولية (ابيكورب) اليوم دراسة بعنوان "قطاع الطاقة واقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد 2021" حول طبيعة الفرص والتحديات الاقتصادية في المنطقة والناجمة عن جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
وبحسب الدراسة فقد أدت التداعيات المتشعبة للأزمة الثلاثية غير المسبوقة لعام 2020 – والمتمثلة بالأزمة الصحية والاقتصادية والمالية - إلى اتساع فجوات الدخل والإنتاجية على الصعيدين الإقليمي والمحلي، وذلك في ظل امتلاك عدد معدود من تلك الدول المقومات المطلوبة لتحويل الحزم التحفيزية التي دشنتها الحكومات لمواجهة الأزمة إلى ديون منتجة تحقق تعافياً اقتصادياً مستداماً، بما في ذلك وجود أطر راسخة للحوكمة والسياسات، والإدارة المالية العامة، وتوافر بنية اقتصادية قوية ومستدامة.
كما أشارت الدراسة إلى أن الدول التي تمتلك احتياطيات مالية ضخمة استطاعت ضخ السيولة في اقتصاداتها وأنظمتها المصرفية، مع التركيز على دعم قطاعات صناعية محددة والشركات الصغيرة والمتوسطة، بينما تواجه الدول ذات الاحتياطيات الأقل مخاطر استنزاف مواردها المتاحة في حال عدم تمكنها من تأمين مصادر التمويل اللازم.
أما بالنظر إلى القطاع المصرفي، فأفادت الدراسة بأن البنوك الخليجية تستطيع مواجهة الانكماش الناجم عن الجائحة بفضل أصولها التي بلغت قيمتها الإجمالية نحو 2.3 تريليون دولار بنهاية عام 2019، لافتة في الوقت ذاته إلى أن البنوك التي تتعامل مع أكثر القطاعات تضرراً مثل الطيران والسياحة ستكون أكثر عرضة لخطر القروض المتعثرة.
الفرص المتاحة لتنمية لإنتاج المحلي
أشارت الدراسة إلى التأثير الكبير الذي خلفته الجائحة على سلاسل القيمة العالمية (global value chains)، ما دفع بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى وضع سياسات لحماية الأنشطة التجارية المحلية، بما في ذلك اللجوء إلى تقليص الواردات وحظر التصدير، وكذلك استبدال الواردات في عدد من القطاعات الاستراتيجية مثل الرعاية الصحية والمنتجات الصحية كما فعلت مصر من أجل تشجيع الأنشطة الصناعية في المناطق التجارية الحرة على التركيز على تلك القطاعات.
ومن شأن ما طرأ من تغييرات على سلاسل القيمة العالمية، إلى جانب التحول المتسارع التي تشهده قطاعات عدة - بما في ذلك قطاع الطاقة – أن يخلق فرصاً اقتصادية جديدة يمكّن الدول التي تحسن استغلالها أن تعزز مكانتها بعد انحسار الجائحة، وتشمل هذه الفرص استقطاب أنشطة الإنتاج لتكون أقرب إلى الأسواق الاستهلاكية، ودمج التقنيات الرقمية في الاقتصاد، فضلاً عن توجيه الاستثمارات نحو القطاعات الواعدة التي تدفع عجلة التحول في مجال الطاقة، مثل مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة.
ويتطلب استغلال هذه الفرص قيام دول المنطقة بوضع استراتيجيات ملائمة لتعزز مكانتها كشريك استثماري جذاب للشركات متعددة الجنسيات التي تريد تقليص سلاسل التوريد نظراً لقرب المنطقة من الأسواق الاستهلاكية الرئيسية، لا سيما الاتحاد الأوروبي.
إلى ذلك قال د. أحمد علي عتيقة، الرئيس التنفيذي لـ "ابيكورب": "يجب على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التحرك بسرعة لوضع خطط تحسن استغلال الفرص الكامنة، ويمكن لسياسات الإصلاح الاقتصادي أن تعزز تدفق الاستثمارات الخارجية والمحلية اللازمة لترجمة تلك الخطط على أرض الواقع. وستكون مدى فعالية استثمارات دول المنطقة في البنية التحتية والرقمنة والقدرة على جذب الاستثمارات عوامل حاسمة للازدهار في مرحلة ما بعد جائحة فيروس كورونا."
من جهتها، قالت د. ليلى بنعلي، كبير الخبراء الاقتصاديين ورئيس قسم الاستراتيجية واقتصاديات الطاقة والاستدامة في "ابيكورب": "إن وجود عدد كبير من الدول المنتجة للطاقة منخفضة التكلفة والانبعاثات الكربونية يتيح فرصاً مهمة لنمو الصادرات بعد انحسار جائحة فيروس كورونا، وبالأخص للمنتجين الذين استثمروا بشكل استباقي في التقنيات المتطورة مثل المملكة العربية السعودية والمغرب، حيث تعمل الدولتان على ترسيخ مكانتهما في مصاف المصدّرين منخفضي التكلفة للهيدروجين الأزرق والأخضر، مما يمنحهما أفضلية في الاستفادة من الفرص التي تحملها عملية التحول في مجال الطاقة والتغيير في سلاسل القيمة العالمية."
تعزيز الاستفادة من الديون المنتجة
بادرت معظم الدول إلى تدشين حزم تحفيزية واسعة النطاق لمواجهة التداعيات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للجائحة، وذلك من خلال الاعتماد على احتياطاتها المالية، واللجوء إلى أسواق رأس المال المَدين، والتمويل الثنائي والمتعدد الأطراف (bilateral and multilateral financing)، والمساعدات الخارجية، وغيرها من الإجراءات.
كما قامت بعض الدول بإيقاف برامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية الحيوية التي كانت قد بدأتها قبل الجائحة. وبالنظر إلى المنطقة ككل، فقد تم تخصيص ما نسبته 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي للحزم التحفيزية التي وضعتها الدول، فيما قامت البنوك المركزية بضخ ما نسبته 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي بشكل مباشر في اقتصادات دول المنطقة.
وبلغ الحجم الإجمالي للحزم التحفيزية التي دشنتها دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر نحو 130 مليار دولار أمريكي، وتتيح هذه التدابير المالية فرصاً سانحة لصنّاع السياسات لإجراء تحديثات تقنية واسعة النطاق والرقمنة، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والاستثمار فيها، وتمويل الابتكار، ودعم التحول في قطاع الطاقة، وإنشاء بنية تحتية ذكية.
ركود حاد نتيجة جائحة كوفيد-19 وانخفاض أسعار النفط
أدى أكبر انكماش للطلب على النفط في التاريخ - بلغ 20 مليون برميل في شهر أبريل – إلى تأثر الاقتصاد غير النفطي في هذه الدول، بما في ذلك انكماش الاقتصاد الحقيقي وخفض الإنفاق الحكومي. ومن المتوقع أن تشهد مختلف دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انكماشاً في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، باستثناء مصر حيث تشير التوقعات إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 2.5% إلى 3.5% بين عامي 2020-2021.