اعتبرت مجموعة سامبا المالية أن الاقتصاد السعودي تمكّن من الصمود خلال عام 2020م بشكل أفضل من المتوقع، وأن العجز المالي المسجل والمقدّر بنسبة 12% من الناتج المحلي الإجمالي، جاء في سياق المعدلات العالمية، وبنسبة أقل مما كان عليه في الأعوام 2015م و2016م، إلا أن الأهم أن خيارات التمويل توسعت بشكل ملحوظ وباتت أكثر تنوعاً، نتيجة إدارة المركز الوطني لإدارة الدين عمليات التمويل بكل ثقة.
وتوقّع سامبا عبر تقريره الاقتصادي لشهر ديسمبر 2020م الذي يرصد من خلاله مؤشرات الأداء لاقتصاديات المملكة والأسواق العالمية وتوقعاتها للمرحلة القادمة، أن يشهد الاقتصاد السعودي غير النفطي انتعاشاً بنسبة 3.7% خلال عام 2021م متجاوزاً الانكماش المسجّل في العام السابق 2020م والذي بلغت نسبته 3.2%، مدفوعاً بالارتفاع اللافت في الإيرادات غير النفطية بعد مرور عام كامل من زيادة ضريبة القيمة المضافة، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تقليص عجز الميزانية السعودية ودعم معدلات توازنها.
ويرى التقرير أن الارتفاع المُحتمل على أسعار النفط ليصل إلى متوسط سعر خام برنت إلى 47 دولاراً للبرميل في العام المقبل صعوداً من 42 دولار في عام 2020م، لن يكون كافياً لإضفاء التوازن المطلوب على ميزانية المملكة، ما يوجب توخي الحذر في إدارة حجم الإنتاج بالنسبة لمجموعة أوبك بلس في ظل فائض المخزونات واحتمال مجيء إمدادات إضافية كبيرة لا سيما من ليبيا وإيران والنفط الصخري الأمريكي.
وفي نظرته إلى ملامح الاقتصاد العالمي، اعتبر سامبا أن البيانات الاقتصادية العالمية عادت للاتجاه نحو الانخفاض مرة أخرى مع نهاية عام 2020م جراء الموجة الجديدة من حالات الإصابة بفيروس كورونا (كوفيد 19)، والتي استدعت فرض إعادة إجراءات الإغلاق مما وجّه "ضربة عنيفة" بشكل خاص للاتحاد الأوروبي، متوقعاً أن يسجل الاقتصاد العالمي انكماشاً نسبته 3%.
ورغم تلك النظرة، يجد سامبا سببين وجيهين بأن عام 2021م سيكون أفضل بكثير من العام المنصرم وإعطاء دفعة كبيرة من الثقة؛ الأول يتعلق بإحراز تقدّم ملحوظ في إيجاد لقاح فعّال للفيروس، والثاني برامج التحفيز المالي التي تبنّتها الأسواق المتقدمة في منطقة اليورو والولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان، مع ما أبدته البنوك المركزية من استعداد لتحمل معدلات تضخم أعلى في حال حدوثها، ما يدفع باتجاه تسجيل زيادة في حجم السيولة، وهذا يعني أن النشاط الاقتصادي العالمي مهيؤٌ لتحقيق انتعاش كبير.
وبالعودة إلى الميزانية السعودية التي قدّرتها الحكومة بإيرادات أعلى وإنفاق أقل؛ يشير التقرير إلى أنها المرة الأولى التي من المتوقع فيها أن تكون الزيادة في الإيرادات مدفوعة بزيادة في التحصيلات غير النفطية وذلك بعد مرور عام كامل من زيادة ضريبة القيمة المُضافة والتي ستوفر مكاسب بقيمة 68 مليار ريال سعودية، في الوقت الذي ستسجل فيه الإيرادات الأخرى التي تهيمن عليها عائدات النفط زيادة بمقدار 18 مليار ريال سعودي فقط في الميزانية.
ومع أن السلطات الحكومية افترضت أن يكون سعر النفط في حدود 53 دولاراً للبرميل لخام برنت، وعلى الرغم من وجود قدر كبير من الالتباس بشأن كمية النفط الإضافية التي سيتم ضخّها؛ إلا أن سامبا يرى أن سعر النفط المفترض يبدو أقل أهمية مما كان سابقاً بالنظر إلى قدرة أرامكو السعودية الواضحة على الاقتراض من الخارج من أجل تمويل مدفوعات الأرباح إذا لزم الأمر.
ويلفت التقرير إلى انخفاض الإنفاق بنسبة تزيد قليلاً عن 7% وصولاً إلى 990 مليار ريال سعودي، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2017م، حيث من المقرر أن يكون الخفض الرئيسي في جانب رأس المال وبنسبة 26%، مع التوقع الحكومي بأن يتولى صندوق الاستثمارات العامة تلافي النقص عبر زيادة الإنفاق الرأسمالي. لكن ذلك الانخفاض في الإنفاق لن يمس أجور ومرتبات القطاع العام، بل وتتوقع الجهات الحكومية زيادة أخرى في الإنفاق على المشتريات الأمر الذي سيمثل مصدر ارتياح للشركات الخاصة غير النفطية العاملة في تأمين وتوريد السلع.
ومع ذلك؛ يبدي سامبا شكوكه حيال احتمالات انخفاض الإنفاق خلال العام 2021م، بل ويسجل توقعه بتحقيق زيادة نسبتها 2.1%، نتيجة الاعتقاد بالحاجة إلى زيادة الإنفاق الحكومي لاستدامة الانتعاش، والتوقعات بتزايد زخم الإنفاق على البنية التحتية مرة أخرى مع تلاشي تأثير فيروس كورونا (كوفيد 19)، فضلاً عن توافر هامش مالي لزيادة الإنفاق في ضوء المكاسب المحتملة في الإيرادات غير النفطية، وانخفاض تكاليف التمويل إلى أدنى مستوى ممكن.
وبرؤية عامة، يرى سامبا في تقريره إلى أن سنة 2020م على الرغم من كونها كانت استثنائية بجوانبها السلبية نتيجة جائحة كورونا وأسعار النفط، إلا أنها في المقابل حملت بعض التوجهات الإيجابية، كقضاء السعوديين وقتاً أطول داخل المملكة وإنفاق المزيد من المال في الداخل، إلى جانب التوقعات المتفائلة حيال توزيع لقاح فعال للفيروس خلال العام 2021م، والزيادة في الإنفاق الحكومي، وتعافي أسعار النفط والإنتاج إلى حد ما، وكذلك زيادة إنفاق صندوق الاستثمارات العامة، ما يعني توفر رياح مواتية داعمة، رغم الترجيحات بأن يبقى الاستثمار الخاص ضعيفاً.