أعلن متحف اللوفر أبوظبي اليوم عن انضمام قطعتَين فنّيتَين مُميزَتَين معارتَين من المتحف الوطني للآثار في فاليتا ومتحف اللوفر في باريس، وذلك على هامش احتفال دولة الإمارات العربية المتحدة بمرور خمسين عاماً على نشأة العلاقة الدبلوماسية الراسخة التي تربطها بجمهورية مالطا، ومن المقرر أن يشهد متحف اللوفر أبوظبي عرض نُصُبَين زخرفيَّين للمرة الأولى بعد افتراقهما لأكثر من 240 عاماً ليكونَا متاحَين أمام الجمهور لمدة عام كامل بدايةً من مايو 2023 وحتى يونيو 2024.
يُذكر أن عرض نُصُبَي مالطا -الموجودَين حالياً بشكل منفصل في متحف اللوفر والمتحف الوطني للآثار في فاليتا- في متحف اللوفر أبوظبي يجسد عملية لَمّ شملهما بعد فراقهما الذي استمر منذ عام 1782، ويأتي عرض هذَين النُّصُبَين في سياق السعي لتجسيد التقاء التأثيرات بين الشرق والغرب في قاعة العرض رقم 5 في المتحف، وهي مخصصة لعرض مقتنيات الحضارات والإمبراطوريات.
في هذا الصدد، قالت سعادة السيدة ماريا كاميليري كاليجا، سفيرة جمهورية مالطا في دولة الإمارات العربية المتحدة: "يمثل عام 2023 فترة مهمة لبلدَينا، مالطا ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث نحتفل باليوبيل الذهبي بمناسبة مرور خمسين عاماً على نشأة العلاقة الدبلوماسية الراسخة التي بدأت بين البلدَين عام 1973، والتي تشهد نمواً وتطوراً عاماً تلو آخر. وتعتز مالطا بالشراكة القوية التي تجمعها بدائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، حيث يمكننا أن نجني الآن ثمار هذه الشراكة من خلال تعاون مؤسستَين بارزتَين هما: مؤسسة مالطا للتراث ومتحف اللوفر أبوظبي، حيث نجحت جهودهما المتميزة وعملهما الاحترافي، بالتعاون مع متحف اللوفر في باريس، في تقديم إطار سردي للجهود العلمية، إضافةً إلى تسليط الضوء على غموض الماضي ومغامراته التي تصحبنا في رحلة نعرف خلالها كيف فرَّق القدَر بين هذَين النُّصُبَين المُكتشفَين في مالطا، وكيف اجتمعا عن قصد. ويمكن ترجمة هذا السرد ليكون بمثابة رمز للعلاقات بين مالطا ودولة الإمارات العربية المتحدة، اللتَين -رغم تباعدهما الجغرافي وتنوعهما- قد عملتا معاً على عدة مستويات، مُمثلتَين من خلال أشخاص ذوي نوايا حسنة في المجالات السياسية والتجارية والرياضية على مستوى الأفراد، وكذلك في ميدانَي البحث والابتكار، وأخيراً في القطاع الثقافي. ومع أن هذا المعرض هو الأول من نوعه الذي تقيمه مالطا في اللوفر أبوظبي، إلا أنني واثقة من أنه لن يكون الأخير بكل تأكيد".
أما مانويل راباتيه، مدير متحف اللوفر أبوظبي، فعلق قائلاً:” يُعد اجتماع هذين العمودين الزخرفيين الاستثنائيين في متحف اللوفر أبوظبي بعد فراق خير دليل على نجاحنا في إنجاز مهمتنا المتمثلة في سرد قصص الروابط الثقافية، حيث سيُعرض نُصُبا مالطا (سيبي) معاً للمرة الأولى منذ أكثر من 240 عاماً، ما يمثل لحظة فارقة في مساعينا الرامية إلى الحفاظ على تراثنا المشترك والاحتفاء به. وتجسد هذه القطع المُعارة إلى المتحف قدرة الفن على بناء جسور التواصل عبر الزمان والمكان وبين الحضارات. وقد نجحنا في جمع هاتين القطعتين الفنيتين من خلال تعاوننا مع المتحف الوطني للآثار في فاليتا، مالطا، ومتحف اللوفر في باريس. وتعد هذه فرصة نادرة للزوّار لتأمّل نُصُبي مالطا (سيبي) عن قرب والاستمتاع بتجربة ثقافية رائعة وثرية حيث تعكس هذه التجربة الثقافية المتميزة التزامنا بإبراز جمال القطع الأثرية وتسليط الضوء على مكانتها الفريدة". كانت الأعمدة في العالمَين الإغريقي والروماني أعمدة زخرفيّة عادة ما تحمل نقوشاً محفورة فيها، وكانت تُستخدَم كعلاماتٍ حدوديّة، أو علاماتٍ لتحديد المسافات على الطرق، أو شواهد قبور، بل ومن الممكن أنها كانت تُخصَّص للآلهة في المعابد. وبالنسبة إلى نُصُبَي مالطا المعروضَين بصفة مؤقتة في متحف اللوفر أبوظبي، فربما استُخدمت القمة المُسطحة لكل نُصُب لحمل الأطباق، أو المباخر، أو القرابين.
جدير بالذكر أن هذَين النُّصُبَين، اللذَين يعود تاريخهما إلى القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد، مُزخرفان بأوراق نبات الأقنثا، وأوراق تشبه رؤوس الرماح منحوتة عليها بشكل تبادلي جميل، كما توجد على قاعدتهما المستطيلة نقوش متطابقة باللغتَين الفينيقيّة والإغريقيّة. وتؤكد هذه النقوش وجود تشابه بين ملقارت والبطل الإغريقي هرقل، كما تدل على نجاح الفينيقيين في نشر آلهتهم ولغتهم وثقافتهم بالتوازي مع بضائعهم في إطار التبادل التجاري عبر سواحل البحر الأبيض المتوسط.
وقد لعبت النقوش الإغريقية على «نُصُبَي مالطا» دوراً رئيسيّاً في فكّ رموز الأبجدية الفينيقية عام 1758 على يد عالم النقوش الأثريّة الفرنسي الأب بارتليمي، على غرار النقوش الإغريقية القديمة على حجر رشيد التي جعلت من الممكن فك رموز الكتابات الهيروغليفيّة المصريّة في عام 1822. وبعد الانتهاء من فك الرموز الموجودة على هذَين النُّصُبَين، عرضت منظمة فرسان مالطا أحدهما على فرنسا.
من جانبه، صرح نويل زاميت، المدير التنفيذي لمؤسسة مالطا للتراث قائلاً: "لقد احتفظت مالطا بالروابط القوية التي تجمعها بدولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث يتعاون البلدان بشكل فعال لتعزيز هذه العلاقة من خلال دبلوماسية التراث الثقافي. كما يشارك البلدان، تحقيقاً لهذه الغاية، في حوار ثقافي يضم ثلاث دول. ويشكل هذا التعاون خطوة هامة نحو تحقيق ذلك الهدف. وتُعَدّ هذه هي المرة الأولى التي تجتمع فيها مالطا مع اللوفر أبوظبي في إطار هذا التعاون، ونأمل أن يمهد هذا التعاون الطريق لتعزيز العلاقة بينهما في المستقبل".
ثم أضاف قائلاً: "من خلال إعارة هذَين النُّصُبَين لمتحف اللوفر أبوظبي، فإننا نستعيد ذكريات التعاون والعلاقات الدبلوماسية التي نشأت في القرن الثامن عشر، عندما أرسلت مالطا نسخاً من النُّصُبَين إلى الخارج لفك الرموز المنقوشة عليهما. ونتيجةً لذلك، عرضت منظمة فرسان القديس يوحنا أحد النُّصُبَين على أكاديمية النقوش والآداب الفرنسية تقديراً لفك رموز النُّصُبَين على يد عالم النقوش الأثريّة الفرنسي الأب بارتليمي، لتتسلم فرنسا النُّصُب عام 1782".
صرحت هيلين لومو، كبيرة أمناء قسم آثار الشرق الأدنى في متحف اللوفر في باريس قائلةً: "إضافةً إلى كون هذَين النُّصُبَين محل دراسة وإشادة بفضل فك رموزهما الفينيقية على يد عالم النقوش الأثريّة الفرنسي الأب بارتليمي في عام 1758، فإنهما مثيران للاهتمام أيضاً من المنظورَين الأثري والتاريخي. وفي حقيقة الأمر، ونظراً إلى كون هذَين النُّصُبَين قد قُدِّمَا على الأرجح في القرن الثاني قبل الميلاد من قِبَل شقيقَين من مدينة صور الفينيقية للإله ملقارت في أحد معابد مالطا، فإنهما يُظهِران نقوشاً ثنائية اللغة في إطار الاهتمام بتحقيق شهرة عالمية لهذه النقوش. ويعد نُصُبَا مالطا بمثابة علامة على التقدير والولاء، حيث قُدّم أحدهما كهدية من منظمة فرسان مالطا إلى أكاديمية النقوش والآداب الفرنسية؛ ما يُجسد بشكل رائع تداول مثل هذه الأعمال الفنية بين الناس عبر الزمن".
بدوره، قال فرانسوا شيفرولييه، كبير أمناء في متحف اللوفر أبوظبي: "يجسد اجتماع نُصُبَي مالطا في متحف اللوفر أبوظبي لحظة فارقة في تاريخ هذَين العملَين الفنيَّين الاستثنائيَّين؛ حيث يجتمعان بصورة مؤقتة في المتحف لأول مرة بعد أن افترقا لما يقرب من قرنَين ونصف من الزمان. وقد جعلت النقوش اليونانية والفينيقية ثنائية اللغة المحفورة على القواعد فك رموز اللغة الفينيقية ممكناً في منتصف القرن الثامن عشر، وذلك قبل عقود من قيام شامبليون بفك رموز اللغة الهيروغليفية. ولهذا فإن هذا التركيب الخاص يجسد أيضاً المغامرة العظيمة التي جرى خوضها لإعادة اكتشاف اللغات القديمة في القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر. وإضافةً إلى ذلك، يُسلط عرض هذَين النُّصُبَين الضوء على الموضوعات التي جرى تناولها على هامش المعرض المُخصص للحضارات والإمبراطوريات؛ إذ يستحضر هذا العرض التبادلات، وأشكال التعاون الفني، والطقوس المختلفة في حضارات البحر الأبيض المتوسط القديمة، كما يحقق ذلك العديد من الأعمال الأخرى المعروضة بالقرب منهما".
يُذكر أن متحف اللوفر أبوظبي قد أقام، منذ افتتاحه عام 2017، العديد من الشراكات الدولية المهمة من خلال اتفاقيات الإعارة المتبادلة التي تسلط الضوء على تاريخ العالم وتراثه الثقافي. ولا تزال توسعة نطاق التعاون الدولي أولوية لدى المتحف، حيث تشمل هذه الشراكات تمديد اتفاقيات الإعارة مع كل من الأردن، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، وكوريا الجنوبية، والفلبين.
البرامج المصاحبة لهذا العرض الخاص
يعتزم المتحف إطلاق مجموعة جديدة من البرامج التي ستسلط الضوء على العرض الخاص للنُّصُبَين، والتي ستصحبها مجموعة من الأنشطة التفاعلية الثقافية، والأدوات التفسيرية، والمبادرات التعليمية، كما ستتضمن إدراج النُّصُبَين في تطبيق اللوفر أبوظبي، وإجراء مقابلة عبر تسجيل صوتي، وتوفير موارد تعليمية للمعلمين والأطفال، وتنظيم جولات وورش عمل مخصصة على هامش برنامج "مختبر الفن"، إضافةً إلى إدراج النُّصُبَين في أنشطة "الرسم في المتحف" و"جولة في تاريخ الفن" في المتحف.
انتهى