يُعدُّ الاستثمار في رأس المال البشري أحد أهم المقومات الأساسية في بناء المجتمعات، وأساس التنمية المستدامة الذي تعول عليه دول العالم، وتجعله في قمة أولوياتها التنموية، منها المملكة العربية السعودية. وتتزايد أهميته حاليًا في ظل التطور التكنولوجي المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، والنمو المطرد لكل النشاطات المرتبطة بقدراتها حتى أصبحت تأثيراتها بين عشية وضحاها ملء السمع والبصر؛ الأمر الذي استلزم بناء جيل يواكب هذا الحراك التنموي الكبير في الحاضر والمستقبل.
ولتحقيق هذه الغاية أطلقت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) الأولمبياد الوطني للبرمجة والذكاء الاصطناعي "أذكى" بالشراكة مع وزارة التعليم ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع (موهبة)، وبرعاية شركة تحكم، بوصفه إحدى أهم المبادرات الوطنية التي عملت عليها (سدايا)، وتتسم بالكفاءة والفاعلية لتنمية القدرات الوطنية في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، خاصة في مرحلة مبكرة من العمر؛ لتمكينهم من المنافسة عالميًّا في هذا المجال التقني المتقدم تحقيقًا لمستهدفات رؤية السعودية 2030.
وكرس المنظمون لـ"أولمبياد أذكى" جهودهم في اكتشاف المتميزين في التقنية من طلاب وطالبات مرحلتَيْ المتوسطة والثانوية البالغ عددهم أكثر من 3 ملايين طالب وطالبة في السعودية، وكذلك من لديهم خلفية في البرمجة كخطوة أولى للدخول في مجال الذكاء الاصطناعي. كما عملوا على تشجيع هؤلاء الطلبة لتطوير مهارة حل المشكلات، وبناء حلول باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ولكون الأهداف البعيدة للأولمبياد ترمي إلى أن يصبح طلابنا وطالبات في هذه المرحلة العمرية المبكرة لديهم الدافع في التحسين والتطوير والنمو؛ ليصلوا إلى مستويات أعلى من الإتقان والابتكار؛ للمساهمة في بناء الوطن، عملت سدايا وشركاؤها على تنظيم فعالية الطريق إلى أذكى؛ لتحفيز أبناء السعودية في المرحلتَيْن المتوسطة والثانوية على التسجيل في الأولمبياد، وإطلاق طاقاتهم الكامنة.
وشهدت الفعالية حضور أكثر من 10 آلاف طالب وطالبة، اكتظت بهم الصالات الرياضية الخضراء بمدينة الرياض. كما تم تنظيم مبادرة (ساعة الذكاء الاصطناعي)، وهي عبارة عن برنامج تدريبي موجَّه للطلاب حول مفاهيم الذكاء الاصطناعي، وبلغ عدد المستفيدين منه 575 ألف طالب وطالبة بمشاركة 9700 معلم ومعلمة.
وبعد رحلة طويلة من التنافس، استمرت أشهُرًا عدة، استُهلت بتسجيل 260 ألف طالب وطالبة من المرحلتَيْن المتوسطة والثانوية بالسعودية في الأولمبياد، وصل طلاب وطالبات أذكى إلى المرحلة الأخيرة التي تنافس فيها 298 طالبًا وطالبة، فاز منهم بالذهبية عشرة طلاب وطالبات، يمثلون السعودية في البرنامج الدولي التدريبي (OSP) الذي تنظمه جامعة أكسفورد في بريطانيا هذه الأيام.
وتم تأهيل الطلاب والطالبات للبرنامج الدولي (OSP) عقب فوزهم بالميدالية الذهبية في أولمبياد (أذكى)، وتتراوح أعمارهم بين 14و18 عامًا، وسيتمكنون خلال هذا البرنامج من تطوير إمكاناتهم في مجالات البرمجة والذكاء الاصطناعي في بيئة محفزة، تساعدهم على النهوض بقدراتهم المعرفية والذهنية في هذه المجالات التقنية المتقدمة، علاوة على دعم قدراتهم العلمية التي اكتسبوها في أولمبياد أذكى من خلال التعلم في هذه الجامعة العريقة، والاحتكاك بنظرائهم من مختلف الدول. وسيحصلون على شهادة معتمدة من مجلس الاعتماد البريطاني (BAC) مع فرصة الحصول على توصية أكاديمية للدراسة في الجامعة.