من المتوقع أن تصل كمية الأموال المتدفقة من منطقة الشرق الأوسط في الاستثمار العقاري المباشر على المدى القريب إلى 15 مليار دولار أمريكي سنوياً، وذلك بحسب ما أوردته الدراسة الأخيرة الصادرة عن شركة ’سي بي آر إي‘ العالمية للاستشارات العقارية.
وقد اتسعت قاعدة المستثمرين الشرق أوسطيين مدفوعةً بالانخفاض الذي تشهده أسعار النفط، الأمر الذي أدى إلى تحول جذري في استراتيجيات الاستثمار العالمية نحو المزيد من التنويع على مستوى الجغرافيا والقطاعات مع اتساع رقعة انتشار هذه الاستثمارات لتتجاوز الأسواق الكبرى إلى أسواق الدرجة الثانية في أوروبا والأمريكيتين.
وفي الوقت الحالي، سجلت نسبة رأس المال الشرق أوسطي التي تستهدف أسواق الولايات المتحدة زيادة واضحة؛ حيث شهد الربع الأول من عام 2015 استثماراتٍ عالمية بقيمة 5 مليارات دولار أمريكي موزّعة بالتساوي بين الأسواق الأوروبية والأمريكية، مع استهداف واضح لمدن مثل نيويورك، وواشنطن، ولوس أنجلوس وأتلانتا.
وفي عام 2014، واصل الشرق الأوسط تعزيز مكانته باعتباره أحد أهم مصادر رأس المال العابر للحدود في السوق العقارية العالمية وبلغت قيمة الاستثمارات الخارجية 14 مليار دولار أمريكي – ثالث أكبر مصدر لرأس المال حول العالم.
وعلى الرغم من حفاظ لندن على الصدارة، إلا أنها لم تعد تحكم قبضتها على السوق حيث بلغت حصتها من مجموع الاستثمارات المتدفقة من الشرق الأوسط إلى الخارج 32% في عام 2014 مقارنةً بـ 45% في عام 2013. وسارت باريس ونيويورك على خطى لندن حيث بلغت حصصهما من إجمالي الاستثمارات الخارجية 15،8% و9،6% على التوالي.
أهم مناطق الاستثمار العالمية لرأس المال الشرق أوسطي في عام 2014
وتنامى نشاط مستثمري الشرق الأوسط عبر طيف أوسع من القطاعات. ويبدو الأمر جلياً في الولايات المتحدة، حيث دأب المستثمرون عبر التاريخ على شراء المباني المكتبية وأبرز الفنادق في مدن نيويورك ولوس أنجلوس وغيرها من الأسواق الكبرى. وتوضح المنافسة التي أظهرها المستثمرون الصينيون والمصادر العالمية الأخرى لرأس المال المساعي الحثيثة لهؤلاء المستثمرين بهدف إيجاد أسواق بديلة، وقد يكون استحواذ ’جهاز أبوظبي للاستثمار‘ على محفظة صناعية بمساحة 14,2 مليون قدم مربعة بقيمة 725 مليون دولار أمريكي هذا العام خير مثال على ذلك.
وبهذا الصدد، قال نك ماكلاين، العضو المنتدب لشركة ’سي بي آر إي‘ الشرق الأوسط: "ستبقى منطقة الشرق الأوسط أحد أهم مصادر رأس المال العابر للحدود في السوق العقارية العالمية. ومن المرجح أن يؤدي ضعف أسعار النفط إلى تخفيض إجمالي إنفاق صناديق الثروة السيادية، ولكن سنشهد وللمرة الأولى نمو قوي في حجم الاستثمارات القادمة من الخارج من قبل العلائلات والمؤسسات الأخرى في العديد من الحالات."
ومع تخصيص حصة أكبر للاستثمار العقاري والتركيز على التنوع الجغرافي خارج منطقة الشرق الأوسط، تحظى إمكانات المستثمرين الأفراد لتوسيع رقعة عمليات الاستحواذ العقاري العالمية بأهمية متنامية. وكان لهذا التوجه أثره الكبير على أوروبا، حيث شهد إجمالي الاستثمارات العقارية نمواً بنسبة 56% على أساس سنوي لتصل قيمتها إلى 4،8 مليار دولار، الأمر الذي قلب الموازين بين المستثمرين المؤسسيين وغير المؤسسيين. وتشكل نسبة رأس المال غير المؤسسي حوالي 60% من إجمالي الاستثمارات المتدفقة من الشرق الأوسط إلى أوروبا في عام 2014.
وتشير توقعات شركة ’سي بي آر إي‘ إلى أن حجم الاستثمار العقاري العالمي من خلال رأس المال غير المؤسسي المتدفق من منطقة الشرق الأوسط على المدى المنظور، سيتراوح بين 6 إلى 7 مليارات دولار في العام إن لم يتجاوز هذه القيم. ومن الجدير بالذكر أن قيمة هذا الاستثمار لم تتجاوز 5 مليارات دولار في العام خلال الفترة بين عامي 2010 وحتى 2013.
وبهذا الصدد، قال كريس لودمان، الرئيس العالمي لأسواق رأس المال لدى شركة ’سي بي آر إي‘: "تبرز الأهمية المتنامية لرأس المال الخاص في الشرق الأوسط باعتباره فئة استثمارية لها مكانتها العالمية. ومن شأن أقرب التغييرات المنتظرة أن تؤدي إلى خفض متوسط حجم الدفعات، مع توجهات المستثمرين الأفراد إلى استهداف الأصول التي تبلغ قيمتها التقريبية نحو 50 مليون دولار أمريكي. ويتسع ذلك ليشمل استراتيجية استثمار أكثر تنوعاً – وقد بدأ هذا التوجه يبدو ملموساً بشكل واضح في السوق في 2015 ومن المتوقع أن يصبح أكثر انتشاراً خلال الأشهر الـ 6 إلى 18 القادمة. ونتوقع أن تشهد منطقة الأمريكيتين تدفقاً أكبر لرأس المال من الشرق الأوسط في ظل تراجع هيمنة أوروبا عمّا كانت عليه خلال الأعوام الخمسة السابقة".
وبالإضافة إلى رأس المال الخاص، تواصل صناديق الثروات السيادية في الشرق الأوسط دورها المهم باعتبارها أحد أبرز صنّاع السوق وإن لم يكن بالقوة ذاتها من حيث استراتيجيات الاستحواذ التي كان يمكن أن تمتلكها في حال عدم انخفاض أسعار النفط. ولا يبدو أن الحكومات في المنطقة على استعداد كافٍ لاتخاذ قرارات جذرية حاسمة بهدف التأثير على توزيع رأس المال الحالي مع مؤشرات بالتأثير فقط في عمليات التخصيص الجديدة. وتتوقع شركة "سي بي آر إي" أن تتراوح قيمة الاستثمار السنوي لصناديق الثروات السيادية الشرق أوسطية المتدفقة إلى سوق العقارات العالمية المباشرة على المدى القريب والمتوسط بين 7،0 و9،0 مليار دولار أمريكي مقارنة بالقيمة التي كان يمكن تحقيقها والتي تتراوح بين 9،0 و11،0 مليار دولار أمريكي سنوياً في حال حافظت أسعار النفط على ثباتها عند مستويات أعلى من 100 دولار أمريكي للبرميل الواحد.
بدورها أوضحت آيرينا بيلبشوك، المديرة في قسم أبحاث رؤوس المال العالمية لدى شركة ’سسي بي آر إي‘: "تفضي المؤشرات الأخيرة إلى أن قاعدة المستثمرين الشرق أوسطية تواصل نضوجها لتصبح أكثر تعقيداً من حيث الطبيعة، وما هي إلا سمة سليمة ليس فقط في سياق العقارات العالمية، وإنما فيما يتعلق بتطوير الأسواق المحلية في منطقة الشرق الأوسط. وعلى أية حال ومع الأخذ بالاعتبار أن حصة كبيرة من الثروة المتراكمة في الشرق الأوسط تقودها الموارد الطبيعية، يبدو التنويع ولا سيما التنويع العالمي مقوماً أساسياً في الاستراتيجيات المستقبلية للمستثمرين الشرق أوسطيين".