لثقافة مفهوم واسع يند عن الحصر في بضع كلمات، فهي حصيلة تراكمية للخبرة الإنسانية عبر الإمتداد التاريخي المتواصل في المحيط الجغرافي الواحد، وهي جماعية لا تنتجها النخبة فحسب وان كانت تقودها وتوجهها، ذلك أن النخبة ليست إلا جزءا من المجتمع الواحد الذي يحتوي داخل إطار الوحدة تنويعات وألوانا متعددة تتشكل بفعل حركة تطور المجتمع وهي صاعدة متطورة متفاعلة مع ثقافات الأمم الأخرى تأثرا وتأثيرا أخذا وعطاء كلما كانت سبل الاتصال مع الآخرين مهيأة وفرص الاحتكاك سانحة وميسرة كما هي الحال عليه الآن الأمر الذي يفرض علينا تحديا كبيرا حين نتكلم عن الثقافة الوطنية أو القومية فالمؤسسات التي تتعامل مع المنتج الثقافي على اختلاف أشكاله في المحيط الواحد تتوزع بين الحكومية والأهلية والتجارية والوطنية والوافدة...وهي تتفاوت في قدراتها الإعلامية والترويجية والاقتصادية والفنية وفي كوادرها البشرية أيضا ... كما وتختلف مصالحها وأهدافها فلكل منها مصلحة في سيادة النمط الثقافي الذي يناسبها ويحقق مصالحها مما يعني إن الثقافة عامل حاسم في التنمية الشاملة وخط ساخن من خطوط المواجهة بين الأمم في عصر ربما تفقد فيه وسائل المواجهة التقليدية فاعليتها بعد إن تنكث عقدة غزلها وتنتفي القدرة على التميز في صناعتها في ضوء شيوع المعرفة وعولمة الثقافة.
إن حركة التطور السريعة والمذهلة في المجتمع الدولي الذي نعيش بين ظهرانيه تجبرنا في كل يوم على أن نستقبل طوفانا غزيرا من المخترعات العلمية والاكتشافات المعرفية من مواد تقنية وتكنولوجية يغشانا من فوقنا وعن يميننا وشمالنا يفرض علينا بدوره أنماطا متعددة من الثقافة المنتجة لتلك المخترعات والمكتشفات التي لا يمكن لنا أن نستغني عنها بحكم التداخل بين كل هذه الأشياء من جهة وبين رغبتنا في مواكبة إيقاع العصر السريع من جهة أخرى لكي لا ننعزل عن العالم من حولنا ومن هنا فان الثقافة لا يمكن قصرها على الآداب والفنون والتراث والتاريخ فحسب بل هي سيل متدفق من المفردات المادية والمعنوية لا يتوقف على الإطلاق.
ولأننا ليس بمقدورنا أن نتحكم في ضبط أو تقنين الوافد من ثقافات الأمم الأخرى لاعتبارات كثيرة بعضها فنية وبعضها تمليه الحاجة الطبيعية للانفتاح على الآخرين- شاننا في ذلك شان كل المجتمعات الأخرى- كان لا بد لنا من قبول التحدي والتشمير عن سواعدنا وإعادة الثقة بمنتجنا الثقافي الوطني وزجه في المعترك الذي يتخذ شكلا قريبا من المواجهة السلمية- إذا جاز التعبير- وتعبئة إنساننا الأردني العربي المسلم بمفردات ثقافية من ذوب وجدان أمته وحصيلة معتقداتها وتراثها وقيمها الروحية والمعنوية ليرضع لبانها منذ الصغر وإثناء الكبر ومن ثم يألفها ويمارس طقوسها ويعشقها بكل تفاصيلها الصالحة للبقاء والقادرة على العطاء غناءً وأشعارا وموسيقى ولباسا وفكرا وعلما وفلسفة...حتى لا يصاب بالفتنة عندما يطل من النوافذ المشرعة على أعراف الحداثة والزحام الشديد فيقع في دائرة الاستلاب والتغريب.
إن الإطلاع على ثقافة الآخر والإفادة منها أمر محبب ومطلوب ولكن ليس قبل أن يمتلئ المرء حتى حد الإشباع بالثقافة الوطنية والقومية لتكون عونا له في رفد منظومته الفكرية بما لا يصطدم مع الثوابت والمنطلقات المرجعية والحضارية لامتنا وهذا لا يعني أبدا تحريم إسقاط الأجزاء التالفة من جسم ثقافتنا بغية تجديدها، تلك الأجزاء التي لم تعد سوى مقتنيات أثرية معطلة للإنجاز أحيانا ومانعة لإحلال نظم أخرى بديلة محلها تحت وطأة التعصب الأعمى ووضع الأصابع في الآذان فالثقافة كائن حي نام باستمرار، يهدم الخلايا والأنسجة التالفة ويبني بدلا منها أخرى جديدة.
و هاهي وزارة الثقافة تسعى جاهدة للنهوض بمهامها الملقاة على عاتقها والمتمثلة في نشر الثقافة وتعميق الإعتزاز والولاء للثقافة الوطنية العربية الإسلامية وتعزيز الاهتمام باللغة الفصيحة، وقصر دعم الوزارة للمنتجات الثقافية والفكرية على المكتوبة بتلك اللغة، تأصيلا لها في نفوس أبنائها كما تسعى الوزارة لتوفير فرص التفاعل والتواصل المثمر مع الثقافات الإنسانية الأخرى بشكل متزن ومدروس وتكريس المبدأ الديمقراطي الذي يقضي بحرية التعبير والرأي لتلبس عمان عن جدارة وأهلية ثوب عرسها الذي تعكف الوزارة على تطريزه بمناسبة إعلانها عاصمة للثقافة العربية عام 2002.
والوزارة في سبيل تحقيق تلك الأهداف النبيلة تقوم بدعم المفكرين والأدباء والفنانين الكبار والناشئين وتحرص على تشجيع حركة التأليف والترجمة والنشر والتوزيع و إقامة المهرجانات المسرحية والفنية والشعبية والوطنية وتشارك كذلك في المؤتمرات والمعارض محليا وعربيا ودوليا وتأمل الوزارة وهي تضع هذا السجل الذي يتضمن إنجازاتها المتواضعة خلال عام 2000 أن تكون قد وفقت في مسيرتها وارتقت في حدود الإمكانات المتاحة إلى مستوى الطموح الوطني المأمول الذي يليق بالأردن الغالي.