سيكون العام 2015 ذا أهمية بالغة للقطاع النووي في مختلف أنحاء العالم. فمن المتوقع ان تبدأ اليابان بإعادة مفاعلاتها النووية للعمل مجدداً بعد مرور أربع سنوات على كارثة فوكوشيما. وفي أماكن أخرى من العالم نرى ما لا يقل عن اثنتي عشرة دولة مختلفة تدرس إمكانية الالتزام بإنشاء معامل جديدة – لتتخذ قرارات تزداد تعقيداً في ضوء انخفاض أسعار الوقود المنافس كالفحم والغاز الطبيعي. يعتمد الأمر بشكل كبير على ما يحدث في المملكة المتحدة، والتي يشير تقدم المشاريع الجديدة المقترحة فيها إلى ما إن كانت الطاقة النووية ستنافس موارد الطاقة على المدى الطويل.
ووافق الاتحاد الأوروبي، بعد إجراء تغييرات طفيفة، على بنية المساعدات والضمانات التي ستمنح لأول معمل جديد مقترح في هنكلي بوينت في سومرست. هناك اعتراض قانوني لا زال قائماً من جانب النمسا، ولكن المحامي المعنيّ يبدو واثقاً من أن الاعتراض لن يحرز تقدماً. اما المشكلة الأكبر فهي تمويل الصفقة الذي لم يتم الاتفاق عليه بعد. بدأ الأمر يظهر كما لو كانت الحكومة البريطانية ستمول جزءاً كبيرا من متطلبات رأس المال البالغة 16 مليار جنيه استرليني (جزء من إجمالي تكاليف الإنشاء التي يقدر الاتحاد الأوروبي أنها ستصل إلى 25 مليار جنيه). يبدو الأمر سيئاً وبخاصة بالنظر إلى التمويل العام في المملكة المتحدة – ولكن في الواقع فإن حلاً كهذا سيقلل التكاليف ويسمح بإعادة تقييم الصفقة ككل.
المشكلة الآن هي ان عدداً من المستثمرين المحتملين انسحبوا من المشهد. لماذا؟ كيف يمكن لأي مستثمر مقاومة عرض يتضمن ضمان سعر مرتبطاً بالمؤضر لمدة 35 عاماً ومدعوما من قبل دافعي الضرائب في المملكة المتحدة - أي انها صفقة ستوجد رابطاً طويل الأمد مع الحكومة - محمياً من التضخم؟ الإجابة مختلفة قليلاً في كل حالة ولكنها في النهاية تصب في حقيقة واحدة مزعجة للغاية.
أولاً، ستجد شركة أريفا، المورد الرئيسي للمعدات، صعوبة في تمويل نسبة 10 بالمائة من الإجمالي كما كان متوقعاً. فالشركة تكافح للصمود يفي وجه الفوضى المستمرة في محطة اولكيلوتو النووية في فنلندا. أصبحت المحطة متأخرة بسنوات عن جدول العمل وتجاوزت ميزانيتها بالمليارات – وتبلغ خسائر أريفا فيها حالياً حوالي 3.9 مليار يورو بينما تخضع التكاليف الفائضة حالياً لنزاع مرير مع شركة TVO الفنلندية للخدمات.
كما ذكرت مجموعة أخرى من المستثمرين المحتملين في المشروع – كويتيون وقطريون وشركة الكهرباء السعودية وحتى صندوق الاستثمار البريطاني هيرميس، إلا أن أياً منها لم يبد رغبة حقيقية في الاستثمار. كما أن هناك إمكانية الاستثمارات الصينية حيث نقل عن شركتين صينيتين اهتمامهما بالاستثمار من خلال تمويل الحكومة الصينية، وهما شركة تشاينا جنرال نيوكلير والشركة النووية الوطنية. سيكون الاستثمار مشروطاً بالسماح للصينيين بامتلاك وبناء وإدارة محطة نووية جديدة في برادويل، إيسيكس مستقبلاً. فالصينيون بارعون جدا في المفاوضة ولن يكونوا مستعدين لتقبل إجابات غير واضحة بل سيطلبون التزاماً خطياً إلى جانب بعض الضمانات بأن غالبية سلسلة التوريد في محطة كتلك لن تقع في المملكة المتحدة. ربما تساءلوا أيضاً إ ن كانت برادويل هي بالفعل أفضل موقع لمحطة نووية جديدة. إنها جميعاً جوانب معقولة من وجهة النظر الصينية.
أما المسار الرسمي للحكومة البريطانية فيقول أن المملكة المتحدة مرتاحة جداً للاستثمار الصيني – ولكن على الصعيد الخاص يبدو ان هناك شكوكاً حيال منح الصينيين إمكانية الوصول إلى دخائل الأمور في شبكة الطاقة الوطنية البريطانية – وهي دون شك أحد الأصول الاستراتيجية الحساسة. سيكون من المثير للاهتمام أن نتابع كيفية التعامل مع الأمر في التقرير المقبل الصادر عن لجنة العلوم والتكنولوجيا في مجلس اللوردات، وهي اللجنة التي تنظر في أمور الأمن والحماية للنظام الكهربائي بالكامل. ونظراً لأن شيئاً لم يقال منذ زيارة رئيس الوزراء الصيني في يونيو الماضي، فإن تلك إشارة إلى أ ن الشركات الصينية ربما لم تعد مهتمة جدا بالاستثمار.
ويعني كل ذلك أن EDF – وهي الشركة التي تقود مشروع هنكلي، لم تتخذ حتى الآن القرار النهائي في موضوع الاستثمار والذي سيسمح باستمرار المشروع. والسبب الحقيقي لهذا التردد يبدو أنه لا يتعلق بالشروط بل يتعلق بشعور عميق بعدم الثقة في القطاع النووي بشكل عام حيال مفاعلات ERP – وهي النوع الذي سيستخدم في مشروع هنكلي – وتعقيد إنشاء المحطات التي تستعمل فيها. وإلى جانب المشاكل المذكورة في فنلندا، فإن المفاعل الذي تنشئه EDF في فلامانفيل في جنوب فرنسا متأخر عن موعد تسليمه بسنوات.
انتشرت تلك المخاوف خارج حدود المملكة المتحدة. ففي الهند هناك ضغوطات لإعادة التفاوض في الاتفاق المبدئي الذي يكلف أريفا ببناء مفاعل جديد في جايتابور. وفي ديسمبر كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وقع اتفاقاً لتوفير التقنيات الروسية التي يظهر أنها أقل تكلفة بكثير وأكثر اعتمادية تقنية. سيكون اختيار المفاعلات والتكاليف المرتبطة بها عاملاً هاماً في بعض المناطق، كالمملكة العربية السعودية، والتي تشهد زخماً متزايداً لصالح تطوير الطاقة النووية للحد من الاعتماد المتزايد على استهلاك المواد النفطية. تراقب الكثير من الدول الأخرى ما يحدث قبل أن تطلب إقامة معامل جديدة، بينما يتجدد الجدل في فرنسا- أحد قادة الطاقة النووية في العالم- حول قدرة أريفا و EDF في استبدال الأسطول الحالي القديم من المحطات النووية خلال العقدين المقبلين.
وفي الواقع فإن الفجوة المتعلقة بتمويل مشروع هنكلي بوينت قد لا تكون بذلك السوء بالنسبة للمستهلكين البريطانيين أو للشركة. فالتمويل المدعوم من الحكومة سيكون اقل تكلفة بكثير من اللجوء إلى المستثمرين الخارجيين الذين سيطلبون مبالغ مقابل المخاطرة وضمانات مالية أكبر بكثير. يمكن للحكومة البريطانية الاقتراض بتكلفة أقل من أي شخص في العالم تقريباً. وسيؤدي اتخاذ منهج مختلف في التمويل إلى السماح بالتفاوض في شروط الاتفاق، والأهم من ذلك كله أن الحكومة البريطانية يمكنها ان تجعل استثمارها مشروطا بالنسبة للشركة بحيث تثبت أن أياُ من الشركات العاملة في فلامانفيل أو أولكيلوتو يمكنهما في الواقع العمل وبدء الإنتاج وأنهما استفادتا من الاخطاء الواقعة في المشروعين.
أما الخطوة الأخير فهي بالتأكيد تتطلب تقييماً كاملا ومستقبلا للأخطاء التي وقعت في المشاريع الأخرى، مما سيؤدي إلى تأخير بدء العمل في هنلي ولكن التأخير البسيط سيكون أفضل من المضيّ قدماً بتكاليف ضخمة وتقنيات قد لا تكون ناجعة تماماً. وفي ذلك الوقت يمكن تسريع تطوير مخططات المخطات النووية الأخرى في المملكة المتحدة.
في المرحلة الحالية يتم اتهام أي شخص يتساءل عن تطوير محطات الطاقة النووية الجديدة في المملكة المتحدة بأنه مناهض لطاقة النووية أو حتى معادٍ لفرنسا. بحسب معرفتي فإن ذلك ليس صحيحاً على الإطلاق – بل إنني إذا كنت انا جان برنار ليفي، الرئيس الجديد لشركة EDF، فما أريد أن أراه هو آراء صريحة تماماً عن الأمر.
يحتاج قطاع الطاقة النووية لكسب الثقة. قامت EDF بذلك في المملكة المتحدة فيما يتعلق بسلامة وقبول المحطات النووية كجزء من مزيج الطاقة. وتم تكريم فنسنت دو ريفاز، الرئيس التنفيذي لشركة EDF في المملكة المتحدة، للعمل الذي قام به في CBE. إلا أن المهمة لم تنته بعد، وعلى كل من أريفا و EDF إقناع الناس في المملكة المتحدة والعالم بان تقنياتها قابلة للتطبيق الفعال وبتكلفة معقولة. وإلى ذلك الحين سيكون التقدم دون حذر خطوة متهورة تضر بالمستهلكين ودافعي الضرائب في المملكة المتحدة وللشركات أيضاً – وحتى لمستقبل القطاع النووي بالكامل.