دأبت جائزة الملك فيصل منذ نشأتها على دعم جهود البحث العلمي وتحفيز الباحثين لمضاعفة الجهود العلمية في مواضيع يعود أثرها على تحسين جودة الحياة حول العالم، وجاء اختيار الجائزة في دورتها الأربعين لموضوع "العلاج المناعي للسرطان" عن فرع الطب، ليؤكد على استراتيجية الجائزة الرامية إلى تشجيع وتكريم العقول المبدعة من كافة أقطار العالم ممن يسعون لابتكار الحلول وتقديم الاختراعات التي تساهم بشكل مباشر في تقدم البشرية في مختلف مجالات الحياة وإثراء المعرفة الإنسانية.
وعلمياً، ظل مفهوم العلاج المناعي في علاج السرطان يكتسب زخماً واهتماماً من العالم أجمع حتى أواخر الخمسينات عندما قام عالمان من علماء المناعة هما: لويس توماس والسير ماكفرلين بورنيه باقتراح تطبيق فكرة "المراقبة المناعية للسرطان" حيث تستند هذه الفكرة في أساسها على الاستفادة من جهاز المناعة البشرية الذي يكون في حالة تيقظ ومراقبة مستمرة للجسم لمنع دخول الخلايا الخبيثة إليه. وظهرت القيمة العلمية لهذا الموضوع من خلال البحوث الطبية التي أُجريت في الأعوام الأخيرة ودعت إلى الاستفادة من القدرات الهائلة التي يتمتع بها الجهاز المناعي للجسم البشري وتسخيرها لعلاج الجسم وتشافيه من هذا المرض، لاسيما وأن التدخل الجراحي والعلاج بالأشعة ذات الطاقة العالية ما زالا هما الطريقتين المعتمدتين لعلاج السرطان بشكل رئيسي في أنحاء العالم.
وتجسد جائزة الملك فيصل، نموذجاً فريداً يعكس الدور المهم الذي ينبغى أن تؤديه الجوائز العالمية في إحداث الحراك الإيجابي في الأوساط العلمية من أجل تطوير الوسائل واستحداث الابتكارات وتقديم الاكتشافات التي ترتقي بمستوى معيشة البشر حول العالم، حيث شهد المجتمع الطبي ظهور أساليب مستجدة في العلاج المناعي، منذ أن وضعته الجائزة موضوعاً لفرع الطب في دورتها الأربعين، فقد تم نشر وتداول موضوع "مثبطات نقط التفتيش المناعية" التي تحفز الجهاز المناعي في الجسم وتنشطه ليتعرف على الخلايا السرطانية ويحاربها دون إحداث أي استجابة للمناعة الذاتية. وهناك أيضاً أسلوب "النقل التكيفي للخلايا" حيث يتم توجيه خلايا المناعة البشرية لدى المريض لكي تتعرف على الخلايا السرطانية وتهاجمها، لتمنح لجنة الاختيار لجائزة الملك فيصل للطب جائزتها للأستاذ الدكتور جيمس أليسون نظير إسهاماته الفعالة في تطوير العلاج المناعي للسرطان، حيث اكتشف أن تحفيز المستقبلات (CTLA-4) يعمل على تثبيط الخلية المناعية (T-cell)، بالإضافة إلى كونه أحد العلماء الرائدين في تطوير مثبطات تلك المستقبلات واستخدامها في علاج أنواع متعددة من السرطان.
ويذكر أن البحوث الحالية التي يتم إجراؤها في حقل العلاج المناعي تبعث الأمل للملايين ممن يعانون من السرطان حول العالم حيث أشارت الدراسات الإكلينيكية إلى معدلات نجاح هائلة من أهمها التجربة التي أُجريت في مدينة سياتل الأمريكية وشملت 35 مريضاً يعانون من مرحلة متقدمة من سرطان الدم حيث أظهرت النتائج أنه بعد خضوع المرضى للعلاج المناعي، أصبح 90 % منهم لا يشتكون من أي أعراض بينما دخل السرطان مرحلة الخمول.
أُضيفت جائزة الملك فيصل عن فرع الطب في عام 1981م ومُنحت لأول مرة في عام 1982م وحصل عليها حتى اليوم 67 باحثاً نظير ما حققوه من إنجازات طبية ساهمت في إحداث تحولات عظيمة في حياة الكثير من المرضى. ويتم اختيار مواضيع فرع الطب وفقاً للحقول الطبية الحالية التي تتناول المخاوف الصحية العالمية بينما يُختار الفائزون بناءً على المنافع العظيمة التي تحققها بحوثهم العلمية للجنس البشري.