بقلم فدا كبي، نائب الرئيس ورئيس التسويق والاتصالات المؤسسية والاستدامة ومسؤولية الشركات في إريكسون الشرق الأوسط وإفريقيا
خلال قمة المناخ التي استضافتها مصر بمدينة شرم الشيخ، اجتمع قادة وزعماء العالم لمناقشة الخطوات التي يجب اتخاذها للحد من آثار الاحتباس الحراري. ومن سبعة أعوام، وقع القادة اتفاقية دولية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وإبقاءها في نطاق لا يزيد عن درجتين مئوية. إلا أن هذه الجهود لا تزال غير كافية لتحول دون ارتفاع درجات الحرارة تتخطى الدرجة ونصف الدرجة المئوية على سطح الأرض بحلول نهاية القرن الحالي.
كما أن تبعات تغير المناخ وحدة الآثار المترتبة عليه تختلف باختلاف المناطق والبلاد. فباعتبار اختلاف الطبيعية الجغرافية للمناطق المختلفة، فإنه على مستوى الشرق الأوسط وشمال افريقيا، أصبحت التحديات المرتبطة بتغير المناخ ملحوظة ومؤثرة وتظهر في صورة الفيضانات في باكستان ونيجيريا والجفاف الذي تعاني منه الصومال بالإضافة إلى اثيوبيا وكينيا وحرائق الغابات في تركيا وغيرهم من الأمثلة المتعددة.
فعلينا أن نتعامل مع تغير المناخ باعتباره من بين أكبر التحديات الحرجة والملحة، تماما كما تتعامل مع جوائح. فالإجراءات التي نتخذها اليوم، من شأنها تحديد حجم وتأثير المشكلة في المستقبل. وفي إطار معاملتها كجائحة ملحة، لا يجب أن ننسى بعض الدروس التي تعلمناها والعمل على تطبيقها في هذا الموقف أيضا. وأحد أهم هذه الدروس المستفادة هي أن التنسيق لا غنى عنه لتغيير الوضع الحالي وأن التعامل مع هذا التحدي يتطلب تضافر الجهود على مستوى البيئة الاقتصادية والعالمية بأكملها.
نهج يقوم على تضافر واستدامة البيئة الاقتصادية وبيئة الأعمال
أولا، الحكومات: تلعب الحكومات دورا أساسيا في تحديد أجندة الأولويات والتغييرات التي يجب تنفيذها وتحديد السياسات التي من شأنها أن تساعد في دفع الاستدامة والحد من الأنشطة التي تعرض الموارد المتاحة على سطح الأرض للاستنفاذ والخطر. فتطبيق اللوائح المناسبة في مختلف القطاعات سيضمن الالتزام بهذا النهج ويطرح نتائج قابلة للتنفيذ. فقد تمكنت بعض الدول على مستوى الشرق الأوسط وافريقيا من مواجهة تحديات المناخ ووضعها على أولوية القضايا القومية، ووضع أهداف طموحة لاستغلال الطاقة النظيفة على مدى السنوات التالية وتنفيذ مبادرات تسعى للتحكم في الانبعاثات وزيادة كفاءة الطاقة. فقد كانت الجلسات التي عقدت في إطار قمة المناخ مصدرا للإلهام وللتعرف على الكثير من قصص النجاح والمبادرات في المنطقة، بالإضافة إلى التجهيزات لقمة المناخ التالية COP28 المخطط استضافتها في دولة الإمارات العربية المتحدة. فهذه المبادرات والحماس لاستضافة أحد أهم المنتديات العالمية ما هو إلا دليل على مدى عزم وطموح قيادات المنطقة لتلعب دورا رئيسيا وحاسما في التصدي لقضية المناخ.
ثانيا، المؤسسات: على المؤسسات، بغض النظر عن حجمها سواء كانت مؤسسة صغيرة أو ضخمة، تحديد مدى الأثر البيئي الناتج عن عملياتها، بما في ذلك سلاسل القيمة الاقتصادية المرتبطة بها، ومدى ارتباطها بتغير المناخ وما الذي يمكنها القيام به للحد من آثار هذا التغير. ففي إريكسون، حرصنا على القضاء على أي مصدر لغازات الاحتباس الحراري في أنشطة الشركة، واعتبرناه أولوية قصوى للوقوف عند مقياس الدرجة ونصف الدرجة المئوية، وذلك في إطار استراتيجيتنا لتحقيق الهدف الصفري للانبعاثات بحلول عام 2040. ويأتي ضمن هذه الرؤية ضرورة اتخاذ كافة المؤسسات خطوات جريئة وفورية في اتجاه الاستثمار في الرقمنة والتحول الرقمي والتي من شأنها خفض الانبعاثات الكربونية ورفع الكفاءة في كافة قطاعات الاقتصاد.
ثالثا، الأفراد: تحمل المسؤولية الفردية والإخلاص في التعامل مع القضية أمران لا غنى عنهما للتصرف حيال المخاوف المتعلقة بتغير المناخ. فالقرارات الفردية من قبيل اختيار الاستثمار في صناديق التقاعد والأسهم التابعة لمؤسسات تتسم بالمسؤولية البيئية ستؤدي إلى الضغط على الشركات للمساهمة والقيام بدورها في التصدي لأزمة المناخ. كما أن الحد من السفر في رحلات العمل يعد مثالًا جيدًا لأحد الطرق التي يمكن للشركات والأفراد من خلالها تقليل انبعاثات الكربون.
تحقيق الاستفادة القصوى من التكنولوجيا والابتكارات الجديدة
يمكن للتكنولوجيا أن تلعب دورا رئيسيا في دعم العمل المناخي في أنحاء العالم. هذه الحلول قد تشمل ابتكارات تساعد مختلف القطاعات على التحكم في الانبعاثات الناتجة عنها والوصول لأفكار قائمة على بيانات محددة ومستنيرة تستطيع أن تساعد في اتخاذ قرارات بناءة تؤثر إيجابيا على المناخ. ففي إريكسون، نفتخر بأن تقنيات شبكات الجيل الخامس التي نقدمها تدعم القطاعات الصناعية المتعددة ومن بينها الطاقة والزراعة والتصنيع والنقل للمضي بخطى ثابتة نحو اقتصاد منخفض الانبعاثات الكربونية.
فعلى مدى السنوات القادمة، ستلعب تقنيات الاتصال المتطورة دورا رئيسيا في تحول المنطقة إلى اقتصادات قائمة على المعرفة وتقديم الخدمات مرتفعة القيمة. كما ستعزز التكنولوجيا جهود المنطقة لمتابعة المبادرات المتعلقة بالاستدامة وقياس مدى نجاحها والتأكد من تنفيذها بالصورة المطلوبة. كل ذلك، بينما تسرع من التحول تجاه استغلال الطاقة المتجددة وتمكين هذا التحول نحو استدامة الطاقة.
الشراكة بين القطاعين الخاص والعام والتزام الأطراف بها
من شأن الشراكات بين القطاعين العام والخاص – في إطار أهداف محددة ومشتركة – المساهمة في تحفيز العمل المناخي. فعلى سبيل المثال، وبما يتفق مع الهدف السابع عشر من أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة، قامت إريكسون بالتشارك مع الأطراف المعنية بما في ذلك الحكومات والهيئات والمجتمع الدولي والمؤسسات البحثية في كافة الأسواق التي نعمل بها للتوصل إلى حلول دائمة لمشكلة تغير المناخ. ففي بعض الدول الافريقية، قامت إريكسون بالمشاركة مع عملائها المختلفين للوصول إلى ابتكارات من شأنها ضمان الاستدامة البيئية. كما ساهمت إريكسون في صياغة خارطة الطريق الموسعة للعمل المناخي التي تم إطلاقها في قمة العمل المناخي عام 2018، وهو تقرير يوضح الإمكانات المتاحة لدى كل القطاعات لخفض الانبعاثات الضارة والاحتباس الحراري إلى النصف بحلول عام 2030 عن طريق الاعتماد على تقنيات الاتصال والتكنولوجيا المتطورة.
توقع التأثيرات متعددة الأبعاد
تماما مثل جائحة كورونا، يأتي تغير المناخ بتأثيرات متعددة الأبعاد والأنماط من شأنها إهدار الكثير من النجاحات التي أحرزناها في اتجاه التنمية المستدامة، والإسهام في تعميق الفجوة الاقتصادية والتأثير الحاد على المجتمعات المهمشة، إلا أن الوعي بأسوأ السيناريوهات المتوقعة يساعدنا في التعامل مع هذا التحدي بأسلوب فعال.
وباختصار، فإن المواجهة مع تغير المناخ لا يمكن أن ينجح فيها أحد الأطراف وحده. فهي تتطلب التنسيق بين كافة أطراف البيئة الاقتصادية بينما تتبنى استخدام التقنيات والابتكارات المتاحة على مستوى القطاعات المختلفة في المجتمع، مصحوبة بعدد من السياسات الرشيدة والحلول المحددة للوصول إلى هدف الدرجة ونصف مئوية. لذا يجب علينا التفكير في تغير المناخ باعتباره جائحة مقبلة، والعامل الذي يحدد مدى الأثر الذي ستتركه هو الأفعال والقرارات والتدخلات التي ستقوم بها كل الأطراف في يومنا هذا. فنحن لدينا القوة والإرادة لتحقيق ما يتطلبه هذا التغيير، ويجب علينا القيام بذلك فورا!