ناقش مؤتمر "حروف ريجيو التعليمي"، الذي تنظمه "حروف" التابعة لمجموعة كلمات للنشر، صباح أمس (الأربعاء)، العلاقة التي تربط بين تحصيل الأطفال العلمي والبيئة المحيطة بهم، ودور الوسط الاجتماعي على تعزيز قدرات الأطفال، والكشف عن مواهبهم، ومواطن تفوقهم ونبوغهم.
جاء ذلك خلال جلسة اليوم الثاني للمؤتمر الذي يتواصل حتى مساء اليوم (الخميس) في ملتقى القصباء، بمشاركة نخبة من المتخصصين العالميين في أساليب التعليم المعاصرة، اللذين يطلعون المعلمين والمسؤولين في القطاع التعليمي والتربوي في دولة الإمارات على المنهج التعليمي العالمي "ريجيو للأطفال".
وتطرقت الجلسة التي قدّمتها كلّ من كلاوديا جوديتشي، رئيس مراكز ريجيو للأطفال، ومارينا كاستانيتي، معلمة تطبق منهج ريجيو في مدرسة ديانا، إلى الحديث عن أهم العوامل التي تلعبها البيئة المحيطة بالأطفال، ودورها في خلق بيئة آمنة للتعليم، وإبراز القدرات التي تتمتّع بها في تحفيز الصغار على الإبداع، ومضاعفة فرص التحصيل العلمي أمامهم.
وأوضحت كلاوديا جوديتشي: "إن البيئة المحيطة معلّم ثالث للصغار، بعد الأسرة والمدرسة، فهي تمتلك خيارات تسمح للأطفال بالغوص في أعماق الأشياء وإدراكها"، لافتة إلى وجود علاقة قوية تربط ما بين القدرة على التعلّم وفهم الأشياء، وبين البيئة الملائمة التي تجمع الأطفال.
وقالت جوديتشي:" أنظر إلى مدرستي بعد كل تلك السنوات الطويلة فأجد ذكرياتي التي أسستها على حالها، كونها بيئة استطعت من خلالها أن أشكّل ذاكرة كبيرة وجميلة، وهذا ما نسعى له في منهج ريجيو التعليمي للأطفال حيث نطمح إلى جعل المدارس بيئة اجتماعية حاضنة للأطفال، تساعدهم على تفتيح مداركهم وتحفزهم على الإبداع وإيقاظ شعورهم نحو اكتشاف الشغف في داخلهم، فالبيئة الإيجابية المحيطة سواء كانت في الحضانة أو المدرسة أو المنزل، هي عامل ضروري للغاية في تحصيل الأطفال وتعلّمهم".
وأضافت": إن ما نعمل على تعزيزه لدى جميع الجهات التعليمية هو الاعتناء بالبيئة المحيطة، ونتطلع إلى مضاعفة التجانس في عوامل الحياة التي نقدمها للأطفال في مدارسنا التي نعتبرها إحدى الطرق التي تدفع قدماً في بناء شخصية الأطفال، وتسهم في تخليص المؤسسات الأكاديمية من العادات التقليدية في التعليم حيث نحاول منح الأطفال أمكنة تستند على الجماليات المتعلقة بالمعرفة والفكر، الأمر الذي يسهم في تأسيسهم على توسيع أفق تعلمهم، وتفكيرهم، ويجعلهم أكثر قدرة على تطويع الخيال والاستفادة منه في بناء حلول مبتكرة للواقع".
وأكدت جوديتشي حرص ريجيو إميليا على توفير مناهج دراسية متطورة تعبّر عن التفاعل بين الأطفال والمعلمين، لافتة إلى أن التعليم والتعلّم هما جزآن لتطوير المعرفة والارتقاء بها.
ومن جانبها قالت مارينا كاستانيتي، معلمة تطبق منهج ريجيو في مدرسة ديانا:" نهتم بتفاصيل المساحة المحيطة بالأطفال فهي تمنحهم أبعاداً أكثر رحابة للتعلّم، فالطفل حين تحيط به الظروف الملائمة يستشعر من خلالها القدرة على الاكتشاف بشكل مباشر ما يمكنه من تطوير قدراته ومهاراته بما يخدم مستواه الإبداعي، حيث عملنا على توظيف المساحات تطبيقاً لنظريات التعليم الاجتماعي التي نتبعها".
واقتبست كاستانيتي قول أحد الباحثين في مجال التعليم المتطور في سبعينيات القرن الماضي قوله "إن المساحات ترتبط بعلاقة مباشرة مع خيال الأطفال، إذ أن أحد قيم المنهج العلمي المتقدم هي العلاقة بين صور الأطفال والخيال الذي يمتلكونه".
وأشارت المتحدثتان خلال مداخلاتهما، إلى أن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يملكون كامل الأدوات اللازمة للتعلم، وكل منهم يملك لغات للتعبير عن نفسه، وعن مهاراته، مؤكدتان أن لذوي الاحتياجات الخاصة الحق بالتعليم، كما هو سائر الأطفال في العالم، وينبغي العناية بقدراتهم الذهنية، والتعرف على الأساليب الممكنة للتواصل وتبادل المعرفة معهم.
ويعد منهج مركز "ريجيو للأطفال" أحد المناهج التعليمية المتطورة التابعة لريجيو إيميليا الذي يعتمد على تعزيز التطور العقلي لتفكير الأطفال عبر استخدامهم للغتهم الطبيعية، وأنماطهم التعبيرية المختلفة التي يمتلكونها للتعلّم وإثراء حصيلتهم العلمية، وهو لا يفرض على الأطفال تعلّم الأرقام، والكميات، والأشكال، والمقاييس وغيرها من المواد التعليمية بشكلها التقليدي، كون هذه المفاهيم ترتبط بالخبرات اليومية التي يكتسبونها أثناء اللعب والتفكير والتحدث خلال أنشطتهم اليومية.
ويُنظم المؤتمر خلال أيام انعقاده ورشة عمل متخصصة، تهدف إلى إكساب المعلمين والمسؤولين التربويين فهماً أعمق لعلاقة الأطفال بالفن والكلمات، وذلك من خلال إتاحة الفرصة أمامهم للتعبير عن إدراكهم لما استلهموه بالرسم والكلمات، وتعزيز التواصل بين المدرسين والطلاب من أجل اكتشاف قدراتهم الذهنية وأنماط تفكيرهم وتوظفيها في العملية التعليمية.
وتتجلى رؤية "حروف" من خلال تنظيمها لهذا المؤتمر في تطوير وسائل التعليم، وإبراز القدرات التي يمتلكها الأطفال، بدءاً بالمخيلة الواسعة، والذكاء الطبيعي، وصولاً إلى امتلاكهم للعديد من طرق ومهارات التفكير والتعبير عن أنفسهم بالوسائل التي يرونها مناسبة لإيصال الرسائل التي يرغبون بها، فضلاً عن قدرتهم على الفهم والتواصل مع الآخرين في مواضيع لا حصر لها.
ويأتي المؤتمر بشراكة استراتيجية مع وزارة التربية والتعليم ومجلس الشارقة للتعليم وبرعاية رسمية من بنك الشارقة الإسلامي، ورعاية تعليمية من مجموعة جيمس التعليمية GEMS وجامعة زايد، وكلية الأفق، كما يحظى برعاية للورش والانشطة من قبل مبادرة ألف عنوان وعنوان، ومشروع ثقافة بلا حدود، ورعاية إعلامية من مؤسسة الشارقة للإعلام والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، ورعاية لوجستية من قناة القصباء، ودعم من بنك الشارقة وجمعية الشارقة التعاونية وغرفة تجارة وصناعة الشارقة.
يشار إلى أن "حروف"، التابعة لمجموعة كلمات، أُطلقت في العام 2013 بهدف إيجاد وسائل تعليمية عصرية ومبتكرة للأطفال باللغة العربية، حيث تمتلك العديد من الإصدارات الورقية والرقمية، وعملت أيضاً قبل إطلاقها الرسمي على عدة مشاريع بحثية مع أكثر من 30 مدرسة في الشارقة لإيجاد أفضل الممارسات التعليمية في النشر وتطوير قدرات الأطفال، كما أنها تمضي في تأهيل وتدريب المعلمين والمسؤولين التربويين على أحدث الوسائل التعليمية بما يخدم مستقبل الأجيال الجديدة معرفياً.