اختتمت صباح اليوم (الخميس) أعمال المؤتمر "حروف ريجيو التعليمي"، الذي نظّمته "حروف" التابعة لمجموعة كلمات للنشر، للمرّة الأولى على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة، باستضافة ممثلين من مركز "ريجيو للأطفال"، المركز الإيطالي المتخصص في أساليب التعليم المعاصرة، بهدف إطلاع المعلمين والمسؤولين في القطاع التعليمي والتربوي في دولة الإمارات على المنهج التعليمي العالمي لـ "ريجيو للأطفال".
ودعى المؤتمر في ختام جلساته الحوارية، التي امتدت على مدار ثلاثة أيام، واستضافها ملتقى القصباء في الشارقة، جموع التربويين والأكاديميين إلى تحفيز مدارك الأطفال، وتعزيز قدراتهم الفطرية على التعلّم من خلال الالتزام بمبدأ "الملاحظة والتوثيق والتفسير"، الذي تنصّ على أن تتم متابعة كلّ ما يقوم به الطفل، ومراقبة سلوكياته، والحرص على الاستماع له بشكل دقيق لاكتشاف الأبعاد الجوهرية التي يمتلكها في مخزونه الإبداعي، بما يخدم تطور الواقع التعليمي في المدارس.
وتطرقت الجلسة الختامية، التي قدّمتها كلّ من كلاوديا غوديتشي، رئيس مراكز ريجيو للأطفال، ومارينا كاستانيتي، معلمة تطبق منهج "ريجيو" في مدرسة "ديانا"، إلى تسليط الضوء على أهم العوامل التي تسهم في منح الأطفال القدرة على إطلاق العنان لإبداعاتهم الفكرية والعملية، من خلال تطبيق عملية الملاحظة والمتابعة من قبل المدرسين وأولياء الأمور.
وأشارت غوديتشي إلى وجود ضرورات ملحّة تختص بملاحظة الأطفال ومستوى تعليمهم، وأنه لابد أن يكون هناك مراقبة مرنة لتصرفاتهم، لافتة إلى أن المعلمين يجب أن ينتبهوا إلى ضرورة إشراك الأطفال في مجموعات وعدم تركهم بشكل منفرد إسهاماً في تطوير قدراتهم ومجالاتهم الفكرية والعملية للتعلّم.
وقالت: "هدفنا من وجود هذه الدراسة الخاصة بمنهج (ريجيو) يتمثل في لفت انتباه المعلمين والأكاديميين إلى ضرورة الانتباه إلى عدم فصل الطفل عن مخيلته الادراكية، حتى تتمكن الكوادر التدريسية من إثراء الحصيلة التعليمية لدى الأجيال الجديدة، إضافة إلى الاهتمام بالاستماع للطفل بدقة والتعرف على خبايا الأسئلة التي يطرحها، وماذا يريد منها، كي يتسنى للمعلمين أخذ صورة شاملة عن ميوله ورغباته".
وتابعت غوديتشي: "نحرص في تطبيقنا لمنهج (ريجيو إيميليا)، المعتمد لدى مركز (ريجيو للأطفال)، على أن تقوم العملية التعليمية بكاملها على الذكاء الفطري للأطفال دون أن يلجأ إلى أي عوامل أخرى مساعدة يمكن أن تشكل في مرحلة ما عائقاً يحول دون استخدام قدراته الأساسية، وهذا ما يفسّر أن المدارس التابعة لمنهج ريجيو للتعليم مبنية بالأساس على أنظمة تتوافق مع المخيلة الإدراكية والذكاء الفطري للأطفال، حيث أنها تعتمد على تكثيف الأنشطة العملية للأطفال ودمجهم ضمن مجموعات ليتسنى لهم التعرّف على خيارات وخبرات أكثر تطوراً من زملائهم، وفي الوقت ذاته يستطيعون أن يثروا تجاربهم العملية معتمدين على الذكاء الخاص بهم".
ولفتت إلى أن المدارس التابعة لمنهج "ريجيو إيميليا" للتعليم تتضمن دمج التقنية في بيئة التدريس التي تقدمها للأطفال، مشيرة إلى أن الحاسوب دخل لأول مرة إلى مدارسنا في ثمانينات القرن الماضي، إذ إن الخطط والاستراتيجيات الخاصة بمنهج "ريجيو" تنصّ على أن يستفيد الطفل من جميع التطورات المحيطة به، لكنها أشارت إلى أهمية أن يحظى الأطفال بخيارات تعليمية تستند بالدرجة الأولى على العوامل الطبيعية، سواء كانت بيئة ملائمة تحيط به، أو من عبر تعزيز حالة الإبداع والذكاء الفطري لديه.
من جانبها، عبّرت كاستانيتي عن أهمية الدور الكبير الذي يلعبه البالغون في مجالات بحثهم عن مسببات الذكاء ومواطن الإبداع لدى الأطفال، بما يسهم بصورة فاعلة في تطوير معارفهم وخبراتهم التدريسية بما يخدم المستقبل التربوي في المدارس.
وقالت إن "التوثيق والملاحظة خطوتان أساسيتان لمعرفة العملية الذهنية في نفوس الأطفال، إذ إن الاعتماد على الاستراتيجيات والأدوات اللازمة للانتقال إلى عملية تعليمية للأطفال تتطلب معرفة كافية ومسبقة لإمكانات الطفل، وقدراته العقلية والجسدية، حيث أننا نعتمد في ذلك على ركائز ثلاث أساسية، هي: الأطفال والآباء، والمعلمين، الذين يشكّلون منظومة هامّة تلبي احتياجات الصغار المعرفية، وتسمح للعملية التعليمية بأن تتخطى مجالاتها التقليدية إلى ما هو أكثر تطوراً وتقدماً، بما يثري حصيلة الطفل المعرفية والفكرية والعملية".
ويعد منهج "ريجيو إيميليا" أحد المناهج التعليمية المتطورة، التي تعتمد على تعزيز التطور العقلي لتفكير الأطفال عبر استخدامهم للغتهم الطبيعية، وأنماطهم التعبيرية المختلفة التي يمتلكونها للتعلّم وإثراء حصيلتهم العلمية، بحيث لا يفرض على الأطفال تعلّم الأرقام، والكميات، والأشكال، والمقاييس وغيرها من المواد التعليمية بشكلها التقليدي، كون هذه المفاهيم ترتبط بالخبرات اليومية التي يكتسبونها أثناء اللعب والتفكير والتحدث خلال أنشطتهم اليومية.
وتتجلى رؤية "حروف" في تنظيمها لهذا المؤتمر في رغبتها بتطوير وسائل التعليم محلياً، وإبراز القدرات التي يمتلكها الأطفال، بدءاً بالمخيلة الواسعة، والذكاء الطبيعي، وصولاً إلى امتلاكهم للعديد من طرق ومهارات التفكير والتعبير عن أنفسهم بالوسائل التي يرونها مناسبة لإيصال الرسائل التي يرغبون بها، فضلاً عن قدرتهم على الفهم والتواصل مع الآخرين في مواضيع لا حصر لها.
يذكر أن المؤتمر نُظّم بشراكة استراتيجية مع وزارة التربية والتعليم ومجلس الشارقة للتعليم وبرعاية رسمية من بنك الشارقة الإسلامي، ورعاية تعليمية من مجموعة جيمس التعليمية GEMS وجامعة زايد، وكلية الأفق، كما يحظى برعاية للورش والأنشطة من قبل مبادرة "ألف عنوان وعنوان"، ومشروع ثقافة بلا حدود، ورعاية إعلامية من مؤسسة الشارقة للإعلام والمكتب الاعلامي لحكومة الشارقة، ورعاية لوجستية من قناة القصباء، ودعم من بنك الشارقة وجمعية الشارقة التعاونية وغرفة تجارة وصناعة الشارقة.
يشار إلى أن "حروف" تأسست في العام 2013 بهدف إيجاد وسائل تعليمية عصرية ومبتكرة للأطفال باللغة العربية، حيث تمتلك العديد من الإصدارات الورقية والرقمية، وعملت أيضاً قبل إطلاقها الرسمي على عدة مشاريع بحثية مع أكثر من 30 مدرسة في الشارقة لإيجاد أفضل الممارسات التعليمية في النشر وتطوير قدرات الأطفال، كما أنها تمضي في تأهيل وتدريب المعلمين والمسؤولين التربويين على أحدث الوسائل التعليمية بما يخدم مستقبل الأجيال الجديدة معرفياً.