كانت الإثارة التي سبقت إطلاق سيارة فورد موستانج عام 1964 مختلفة تماماً عن أي شيء سبقها، حيث استطاع الناس مشاهدة تصميم لشكل السيارة مسبقاً عبر الكمّ الهائل للصور التي تناقلتها الصحافة العالمية، وأدى ذلك إلى تدفّق آلاف الرسائل من الجمهور حول العالم! وكانت جميعها تتساءل عن حقيقة نية فورد لإنتاج هذه السيارة الحلم. ومن خلال ذلك التفاعل، حصلت فورد على فرصتها بأول إطلاق عالمي لسيارة من إنتاجها في 13 أبريل 1964. وتم بثّ ذلك الحدث في 11 عاصمة أوربية، وشارك بتغطيته الإعلامية أكثر من 2000 مراسل صحفي.
وقام المدير التنفيذي لفورد حينها؛ لي لاكوكا، والذي ترأس مشروع تطوير موستانج، بتقديم السيارة كخط إنتاج جديد في فورد يتّسم بشكل رئيسي بتنوع الميزات فيه، فكانت موستانج: سيارة اقتصادية صغيرة بطراز السيارات الأوربية الباهظة الثمن، كما أتيح من خلالها المجال للعملاء أن يختاروا ميزات الأداء العالي، أو ما نعرفها اليوم باسم the muscle car.
وفي حديثه للصحافة قال لاكوكا: "نحن لا ندّعي أن موستانج سيارة عالمية، أو أنها سيارة مناسبة للجميع دون استثناء، لكننا واثقون بأن موستانج سترضي رغبات عدد أكبر من الناس، وبصورة تفوق أي سيارة أخرى... ويسرّنا القول بأننا قد أضفنا بعداً جديداً لصناعة السيارات الأمريكية، وربما لصناعة السيارات على نطاق العالم".
طُرحت السيارة للبيع أمام الجمهور بعد أربعة أيام، وفي 17 أبريل 1964 ارتفعت الإثارة توازياً مع الطلب على السيارة الجديدة بشكل صاروخي، وباعت فورد في اليوم الأول للإطلاق أكثر من 22,000 موستانج. ووصلت مبيعاتها خلال السنة الأولى إلى أكثر من 418,810 سيارة. وخلال عامين فقط كانت هناك أكثر من مليون سيارة موستانج تجوب الطرقات.
موستانج الأولى
في عام 1964 كانت جيل براون، ذات الـ 22 عاماً، والمعلّمة في مدرسة ابتدائية، تتجوّل في الطابق الأرضي لصالة فورد جونسون في شيكاجو برفقة والديها، بحثاً عن سيارة تشتريها؛ حيث كانت حتى ذلك الحين تستخدم سيارة والدتها ذات السقف المتحرك من طراز فورد فيرلين 1957 للذهاب إلى عملها. وبعد انتهاء جولتها، لم يلفت شيء في الصالة نظرها، وأخبرت مندوب المبيعات بذلك، فقام من فوره باصطحابها إلى المخزن، وهناك، كانت سيارة فورد موستانج سكايلايت بلو 1965 المكشوفة ما تزال مخبأة تحت غطاء.
وجدت جيل سيارة أحلامها أخيراً، وبعد اقتراض بعض المال من والديها، اشترت موستانج بمبلغ 3,419 دولاراً أمريكياً، لتصبح بذلك أول مالك معروف يشتري بالتجزئة السيارة التي أصبحت فيما بعد: أيقونة أمريكية. وما يجعل من قصّة جيل براون مميّزة هو أنها لم تكن أول شخص يشتري سيارة موستانج فقط؛ بل ما تزال موستانج سكايلايت بلو لدى عائلة براون أيضاً. وفي عام 1966، وبعد علاقة طويلة، تزوجت جيل من حبيبها توم وايز، واستقرا لإنشاء عائلة في شيكاجو. وفي عام 1979، وبعد مرور 15 شتاء على موستانج في شيكاجو، وما فعله أطفال جيل وتوم الأربعة بالسيارة، بدأت ملامح الشيخوخة تظهر عليها. وبعد سرقة البطارية منها وُضعت موستانج داخل مرآب، لتبقى داخله طوال 27 عاماً أعقبت ذلك.
وعلى مدار السنين التالية أقسم توم بأنه سيعيد السيارة إلى مجدها القديم في يوم ما. ولذا، بدأ العمل في عام 2007 بسحب موستانج من المرآب. وخلال السنوات الثلاث التي تلت؛ أزال كل الصدأ، وأعاد طلاء الهيكل، وركّب سقفاً متحركاً جديداً، وأصلح جميع التجهيزات الكهربائية، وأخذت موستانج عائلة وايز مكانها على الطريق من جديد. والآن، وبعد أكثر من 50 عاماً ما تزال العائلة تستخدم تلك السيارة.
موستانج الاستثنائية
ليست سيارة موستانج الخاصة بعائلة وايز هي سيارة pony car الوحيدة من إنتاج فورد في منتصف الستينات، والتي ما تزال تمرح على الطرقات. فعلى الرغم من الإنفاق على ضبط سيارة فورد موستانج 1965 وتحسينها، وإدخال التعديلات الجميلة عليها، إلا أن كين بلوك، سائق الراليات المحترف وأسطورة سلسلة سباقات جيمكانا، جعل من موستانج أساساً لتطوير سيارته هونيكورن RTR بمحرّك V8 من طراز Roush Yates بسعة 4.7 ليتر وقوة 485 حصاناً، والذي يختلف كل الاختلاف عن محرّك سيارة معلّمة المدرسة في شيكاجو، ذي الـ 8 أسطوانات وقوة 164 حصاناً وسعة 4.2 ليتراً.
وتمتاز سيارة بلوك الفريدة من نوعها، وأول سيارة فورد موستانج نوتشباك بدفع رباعي وناقل حركة 6 سرعات من طراز Sadev SC9-04 على جميع العجلات مع نظام مكابح هيدروليكي يدوي، وهندسة تصميم ASD رياضية، ومكونات نظام تعليق، وعجلات قياس 18 إنش. ومنذ الكشف عنها في عام 2014 استحقت هونيكورن موستانج نجوميتها، جنباً إلى جنب مع كين بلوك، النجم الكبير المندفع في سلسلة جيمكانا، والتي شهدت آخر حلقاتها سيارة موستانج المعدّلة تنطلق في دبي، أغنى ميدان في العالم.
موستانج العصرية
لو أتيحت الفرصة لجيل وايز أن تشهد واقع فورد اليوم، فلا بد أنها سترى تراث موستانج الواضح في الجيل الجديد للسيارة. وفي موستانج GT 2016، المزوّدة بمحرّك V8 سعة 5.0 ليتر وقوة 435 حصاناً، تعود إلى السيارة ملامح إشارات الالتفاف المدمجة بالأغطية الجانبية، وهو الأمر الذي يطالب به عشاق موستانج منذ سنوات؛ مما أثر على قرار فورد في تحويل تلك الرغبة الشعبية إلى ميزة قياسية في موستانج GT 2016.
وتمنح خيارات الألوان الجديدة سيارة موستانج شخصية أقوى من أي وقت مضى، مع الخطوط العلوية المميزة لسيارات السباق، ولوح السقف الأسود، أما الميزات الإضافية مثل نظام المزامنة SYNC 3، والتعرّف على الصوت، وشاشة اللمس الشبيهة بشاشات الهواتف الذكية، والواجهة الرسومية الحدسية، فجميعها تثبت أن القديم يمكن أن يندمج بروعة مع كل ما هو جديد.
وسجلت دولة الإمارات العربية المتحدة بيع أكثر من نصف سيارات موستانج الجديدة في الشرق الأوسط، أو 1,058 من أصل 1,785 سيارة، في الوقت الذي تواصل في نجمة فورد لفئة pony car تألقها عالياً في جميع أنحاء المنطقة، وهي حقيقة يؤكدها عدد من أندية المعجبين في دول مجلس التعاون الخليجي، والتي يُقارب عددها الـ 10 أندية منها: نادي موستانج الإمارات، ونادي موستانج السعودية، ونادي موستانج مسقط العماني، والذين يجتمعون دائماً على الاحتفاء بكل ما يتعلق بموستانج.
أيقونة أمريكية
تواصَل إنتاج موستانج منذ عام 1964 بدون انقطاع، لكن موستانج اليوم ليست كتلك التي كانت تقبع تحت غطاء في مخزن جونسون فورد في شيكاجو. وكانت فورد تتوقّع بيع حوالي 100 ألف موستانج فقط في السنة الأولى. إلا أنها باعت أكثر من 400 ألف سيارة منها. والشعبية الهائلة جعلت من موستانج بداية لفئتها الخاصة من سيارات pony car، التي امتازت بغطاء المحرك الطويل، وصندوقها القصير. وكانت سيارة صغيرة، ورياضية، وأنيقة مع محرّكات كبيرة. وسجّل بقية صانعي السيارات ملاحظاتهم، وبدأ الهوس! وفي حين انخفضت شعبية هذه الفئة من السيارات في الثمانينات والتسعينات، جدّدت موستانج 2005 هذا التوجّه مرة آخرى مع إطلاق موستانج 2015 الجديدة كلياً.
إن موستانج اليوم لا تعتمد على تصميم خيالي؛ بل على ميراث 55 عاماً من المجد، في واحدة من أعظم قصص النجاح في عالم السيارات. ومنذ كلمة أياكوكا في المعرض العالمي في نيويورك، باعت فورد أكثر من 8.7 مليون موستانج في أرجاء العالم. وهذا بالتأكيد، بعدٌ آخر يضاف إلى عالم السيارات.